هاشتاغ_رأي نضال الخضري
بدأت الأزمة السورية بوهم داعب البعض وتراكم ليخلق طيفا من الصور التي سرقت الجميع، فهي أزمة اختناق في رؤيتنا للأمور بالدرجة الأولى، وهي أيضا العجز عن رسم ملامح مستقبل حاول البعض اختصاره بجمل قصيرة، فالسنوات الإحدى عشر التي داستنا كانت “اختلاقا” لوهم من التغيير أو العداء لذاتنا، ومهما كان البعض محقّا في رغباته لكنها كانت رسماً من “زيفٍ” مركب؛ يستند إلى عجز في التأثير العميق بمفاصل الحاضر والمستقبل.
كانت مشكلة عام 2011 في ظهورها كلوحة ناقصة بألوان فاقعة، وربما كانت معزوفة تفاجأ الجميع بنشاز في لحظة تتكرر على طول إيقاع الأوتار المترنحة، ففي هذا العام لم يظهر الربيع بل تم استبداله بـ”أوهام” الخروج عن المألوف، وصناعة واقع كرتوني ينهار كل لحظة فنعيد ترميمه بـ”شيطنة” الآخر ربما كانتقام من العجز عن خلق لوحة غير ناقصة لمستقبلنا.
في الإحدى عشر عاماً الماضية لم نخسر أرواحا صادقة ولم نفقد وجوها بريئة فقط، بل استهلكتنا تفاصيل أشد فتكا من التدمير الذاتي لقدراتنا، فالوهم الذي بدأ به الحدث أصبح شبحا يطل عبر المنظمات الدولية، والمفاوضات واللجان الاستشارية والغرف الخاصة بالمبعوث الدولي، وتستمر اليوم بعدم القدرة على تحديد موقعنا في المتاهات الدولية التي اخترقتنا وأدمنا التعامل معها، فعدد المؤتمرات التي انعقدت لتكريس الوهم تتجاوز أي فعل منطقي لتبديده والبدء برسم مستقبلنا الحقيقي، و “الحوار” الذي أصبح غاية بذاته هو أيضا وهمٌ للتلاقي على أرض غريبة رسمت الجبهات وحددت الأطراف.
ليس مهماً بعد أن تجاوزنا العقد وضع سرديات للأزمة ومقابلتها بحوار للمّ شملنا، فبعد التشتت هناك عامل مفقود لا يريد أي طرف اكتشافه، ولا تسعى الهيئات الدولية للتنبيه بشأنه، فإذا ما تلاقينا في أي عاصمة في العالم سنرى الغرابة في وجوه من نحاورهم.. وهي غرابة عدم التصديق بأن الوهم لا يستطيع إنجاز المستقبل، وأن عدم الإقرار بأن هناك زمن انتهى وعلينا خلق بداية جديدة لأنفسنا.. بداية لا علاقة لها بطاولة الحوار التي نسعى لخلقها من فراغ.. بداية لتصور مختلف ينتهي بهذه “الطاولة” التي ظهرت فجأة أمامنا منذ اللحظة التي اخترق الوهم حياتنا.
ربما علينا حرق كل الأوراق التي تكدست طوال السنوات لأنها إنجازات الوهم، وتبديد بناء السلام على إيقاع صور المسلحين والمعارك ووجوه الضحايا، فالتركة الثقيلة لمنجزات الهيئات الدولية لن تستطيع بناء أي تكوين قادم مادام الوهم سيد الموقف، والترجل من حافلة الحل الدولي صعبة بعد تكديس كلمات من العداء المتبادل في كل المؤتمرات والمفاوضات، فالخلاف السوري – السوري المرسوم وفق أفق “حل الأزمات” التي تم ابتداعها في أروقة الأمم المتحدة سيبقى موجودا، لكنه سيتبدد لحظة ظهور أفق آخر يعترف بأننا تجاوزنا وهم العودة للزمن السابق أو شطب تاريخنا المعاصر.
نحن أبناء اللحظة الحاضرة التي خلقتها سلسلة زمنية.. دون وهم نحمل كل التفاصيل التي ظهرت منذ بداية القرن العشرين.. ودون وهم أيضا نستطيع خلق بداية مختلفة تخفف على الأقل من وطأة القسوة التي غرقنا بها طوال الأعوام الماضية.