Site icon هاشتاغ

“إسرائيل”.. والبحث عن تقسيم سوريا

"إسرائيل".. والبحث عن تقسيم سوريا

"إسرائيل".. والبحث عن تقسيم سوريا

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري

 سوريا أصبحت في مجال “المزاودات” الدولية، وهذا الأمر خرج عن نطاق السياسة ليصبح تصوراً عند حدودها التي باتت مكشوفة، وربما دخل أيضاً في قناعات اجتماعية مع تهشيم العلاقات التي تقف أمام اللون الواحد الذي يسودها، ففي مدنها هناك ذهول من سرعة الحدث، ومن فقدان الرؤية حول ما يمكن أن تحمله الأيام القادمة، والأهم أن اعتياد الحياة الحالية يبدو قاسياً بفقدان الذاكرة، فسوريا التي اعتدنا التباهي بها باتت مسار تكهنات من “إسرائيل” التي تبحث عن دور آخر لها.

 التقسيم على المستوى الثقافي هو ما يحدث من دون الحاجة إلى صيغة سياسية، فمنذ زمن ظهر الشمال الشرقي لسوريا كحالة جديدة، بينما كان الشمال الغربي في صراع مع باقي اللون الثقافي والسياسي لها، ولكن كلمة التقسيم بذاتها مرعبة، لأنها تنقلنا نحو مواجهة الذات ووضع التنوع وكأنه افتراق أبدي، وتفتح مساحة غربة داخل بلد اعتدنا التنقل فيه من دون هواجس من الآخر.

 والتقسيم أيضاً شكل يكسر الإبداع الذي ظهرت فيه سوريا منذ فجر التاريخ كعلاقة إعجازية بين الصحراء والبحر وبين الضعف السياسي والسيادة الثقافية، فنحن نقف اليوم أمام الآخر الذي يريد اقتسام تركة التاريخ ووضعها في مختبر السياسات الدولية، فتنتهي سوريا عند حقبة واحدة، وضمن لون قاتم لمراحل قاسية مرت عليها ولكن من دون التفكير بالتقسيم.

 علينا أن نسترجع التاريخ للحظات ونتذكر أن سوريا تبدلت ثقافياً أكثر من مرة، لكنها بقيت تضم رموز التنوع، وكانت قادرة على مس حساسية العلاقة التي تجمع طيفها الاجتماعي، لأن الحياة في داخلها تعني مغامرة كبرى من المعرفة والصبر، ومن تكرار المحاولة لجعل الآخر “مبهوراً” بالقدرة على إدارة التنوع الذي أنتجته خلال قرون متتالية، فسوريا حالة تاريخية خطرة لكنها نموذج يستحق القراءة وليس التقسيم، فكل معاناة أهلها كانت بسبب الطيف الثقافي الذي يشكل هويتها.

 أن تفكر “إسرائيل” بمؤتمر دولي لـ”اقتسام” أو “تقسيم” سوريا هو في النهاية انتقام تاريخي وليس حلاً سياسياً، وأن تحاول تحويلها إلى مناطق نفوذ هو أيضاً حالة إجرام في ظرف تاريخي خاص، ومعاندة ثقافية لبلد ضم على الرغم من الاضطهاد الديني في مراحل الإمبراطوريات الكبرى طيفاً قادراً على التعامل بلين مع كل أشكال القسوة التي اختبرها على مر العصور.

 لسنا بحاجة إلى خيال جامح حتى ندرك أن “إسرائيل” تختبر اليوم “المعادلة” السورية ثقافياً وليس سياسياً، فمسائل “إسرائيل” في الضفة وغزة تكفيها وهي ليست بحاجة إلى واقع سوري جديد تتعامل معه، لكن دولة أحادية اللون مثلها لا تستطيع مجاورة التنوع في سوريا ولبنان أو غيرها من الدول التي بنت تاريخها على القدرة في استيعاب الجميع، والتأقلم مع التعثر الذي يبقى جزءاً من تاريخها وليس سمة لهويتها الحضارية، فاقتسام سوريا وليس تقسيمها هو طموح دائم، وعلينا أن لا نخاف من أشكال السياسة التي يتم فرضها فقط، بل من الثقافة التي يريدون نسفها من تاريخنا.

Exit mobile version