الإثنين, ديسمبر 23, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةإسكات القصص الفلسطينية.. (Netflix) نموذجاً

إسكات القصص الفلسطينية.. (Netflix) نموذجاً

هاشتاغ – عبد الرحيم أحمد

في عصر تحولت فيه منصات البث الإعلامية مثل (Netflix) إلى قوى مهيمنة في وسائل الإعلام العالمية، لا يمكن التقليل من دورها في تشكيل الإدراك العام والسرديات الثقافية، ولا يمكن تجاهل خطرها على تشكيل الوعي العام الجمعي حيال القضايا العالمية خصوصاً عندما تقرر تلك المنصات من يحق له أن تُروى قصصه ومن يتم قمعه وإسكات صوته.

وبالرغم من أن (Netflix) كانت سابقاً منصة للأصوات المتنوعة إلاّ أن هناك شكوك كبيرة اليوم بأنها متورطة في “فرض رقابة على الأفلام الفلسطينية وإزالتها بصمت من مكتبتها” في خطوة فسّرها البعض بأنها محاولة للسير مع المصالح السياسية الإسرائيلية.

وفي تحقيق شامل للكاتبة ياسمين خان نشر في موقع ( Rock & Artروك آند أرت) لفتت الكاتبة إلى أن منتقدي (Netflix) يعتقدون أن المنصة من خلال إسكاتها الأصوات الفلسطينية بشكل انتقائي، تخاطر بالمشاركة في محو الهوية الثقافية الفلسطينية، وتضييق الفهم العالمي “للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني”.

حذف أكثر من 24 فيلماً فلسطينياً

في خطوة غير مبررة قامت منصة (Netflix) مؤخراً وبالتزامن من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، قامت بحذف 24 فيلماً فلسطينياً من مجموعة “قصص فلسطينية” أطلقتها في مكتبتها عام 2021 بهدف تقديم حياة الفلسطينيين وتجاربهم إلى العالم. وقد أثارت الخطوة الجديدة للمنصة انتقادات واسعة وتساؤلات حول خلفيات هذا القرار ودوافعه.

دور منصات البث في التمثيل الثقافي

تتمتع منصات البث مثل Netflix بنفوذ غير مسبوق على ما يمكن أن يشاهده الجمهور العالمي عن العالم وبالتالي تشكيل وعيه حول قضايا الشعوب وثقافاتها، نظراً لما تشكله الأفلام ووسائل الإعلام تاريخياً من أدوات قوية للتبادل الثقافي والمعرفي، وإطلاع الجمهور على قصص وتاريخ ووجهات نظر خارج نطاق تاريخهم وحكاياتهم الخاصة.

لذلك فعندما تقوم تلك المنصات بتطبيق رقابة انتقائية على المحتوى، فإنها تفرض عدم التوازن، وتقرر فعلياً أي الأصوات تستحق أن تعرض على الجمهور وأيها لا تستحق. ومن هنا فإن تبعات إزالة الأفلام الفلسطينية من مكتبة Netflix تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد قرارات تجارية؛ وتكشف عن انحياز مهم لصالح السرديات السياسية.

وتؤكد مراكز الأبحاث والدراسات الإعلامية والثقافية أن منصات البث، باعتبارها بوابات للولوج إلى المحتوى العالمي، تتحمل مسؤولية تعزيز التنوع الحقيقي وتعزيز الأصوات بدون فلترة. وتصبح هذه المسؤولية أكثر حيوية في حالات مثل “الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني”، حيث غالباً ما تحجب السرديات السائدة وجهات النظر الفلسطينية وتهمّشها.

السينما وتكريس الحضور الفلسطيني

لطالما استخدم صنّاع الأفلام الفلسطينيون السينما كشكل من أشكال المقاومة، وتوثيق التجارب الحياتية للمجتمعات الفلسطينية ونضالاتها وقدرتها على الصمود. من خلال التركيز على موضوعات النزوح والهوية والاحتلال.

كما توفر السينما الفلسطينية رواية مضادة أساسية للرواية السائدة التي ينشرها الإعلام الغربي عن “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني”، إذ تقدّم الأفلام الفلسطينية قصصاً شخصية عميقة تتجاوز الأجندات السياسية، وتسمح للمشاهدين الإطلاع على إنسانية شعب متضرر جراء عقود من الصراع.

وتتجاوز أهمية الأفلام الفلسطينية فكرة رواية القصص؛ فهي بمثابة أدوات للحفاظ على الثقافة والتعبير عن الذات وتوثيق الوجود والحق الفلسطيني في أرضه. وبالتالي فإن إزالة هذه الأفلام من قبل (Netflix) لاتعني إزالة الترفيه فحسب؛ بل إنها تمحو صوتاً ثقافياً، وتقلل من فرص ظهور شعب يكافح بالفعل من أجل نشر قضيته وقصته على الساحة العالمية.

الانحياز السياسي وتشكيل وعي مشّوه

يرى منتقدو تصرفات (Netflix) أن إزالة الأفلام الفلسطينية هي خطوة محسوبة تصب في سياق الانحياز للمصلحة الإسرائيليين.

فعندما تقيّد هذه المنصة الوصول إلى القصص الفلسطينية، فإنها تنخرط في تقديم صورة غير مكتملة ومنحازة “للصراع الإسرائيلي الفلسطيني” وتكريس سرد أحادي الجانب وتعزيز المفاهيم الخاطئة للقضية والحد من تعاطف الجماهير العالمية معها.

وتشير الأبحاث الصادرة عن “معهد الإعلام العالمي” إلى أن “المنصات الإعلامية التي تعمل على تضخيم صوت أحد أطراف الصراع بينما تسكت الطرف الآخر تؤثر بشكل كبير على الرأي العام، مما يؤدي غالباً إلى تكوين تصورات مشوّهة عن القضايا الجيوسياسية المعقدة”.

وفي حالة السينما الفلسطينية، التي غالباً ما تصور النضال الفلسطيني في إطاره الإنساني وسياقه الطبيعي، فإن تقييد وصول هذه السينما من قبل (Netflix) وغيرها من المنافذ الإعلامية يحرم الجمهور من فرصة رؤية وجهة نظر متوازنة للمشهد الاجتماعي والسياسي في المنطقة وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ويلات الحرب والاحتلال.

السرد الانتقائي والتغييب الثقافي

إن السرد الانتقائي الذي تمارسه منصات مثل (Netflix) له تأثير سلبي عميق على الحفاظ على الذاكرة الثقافية كونها تمنع الرأي العام العالمي والأجيال الجديدة من الإطلاع على قصص بعض الشعوب وتكوين معرفة حقيقية عنها.

فالأفلام الفلسطينية تقدم قصص التراث والصمود والأمل، وتصوّر ثقافة وتاريخاً غالباً ما يتم تجاهله أو إساءة فهمه في الخطاب الإعلامي السائد. ومن خلال تقييد وصول هذه الأفلام إلى العالم، تشارك (Netflix) في شكل من أشكال المحو الثقافي الذي يؤثر بشكل غير متناسب على الأصوات المهمشة.

مقالات ذات صلة