الأحد, أكتوبر 20, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الأجيال المتعبة..

هاشتاغ _ نضال الخضري

هناك صور متفرقة للمدن السورية تحاصر سكانها، وترسم مأساة حرب مختلفة عن كل ما عاصرته الأجيال من قسوة، فلا الأطفال المتسولين أو العجزة الذين نشرتهم الأزمة على طول مساحة الشوارع، ولا حتى أشكال الدمار التي تفاجئ المتنقل في ضواحي المدن كافية لإتمام اللوحة السورية المعاصرة، فأكثر المشاهد التي تحفر في المجتمعات المنهكة تبدو في أجيال لا تعرف ما تفعله في الغد القريب، أو يستهلكها التضخم ويحاصرها اليأس من اللحظة القادمة.

وكما ابتلعت الهجرة جيلا بكامله على امتداد سنوات الحرب فإن دوامة العبث الحالي تطارد شبابا يصعب عليهم الهجرة، أو استفاقوا على “اكتئاب” الزمن الذي يتسرب إلى كل التفاصيل اليومية، فهو فقر يتم فرضه على الجميع، وأسواق يلفها العجز فتتكئ على أسعار تلاحق “الرواتب” وتسحق ما تبقى من فرحة اقتناء ما هو جديد، وتكتسي الأيام السورية بألوان الغربة التي لم تعد تقنعها “الانفراجات”، فهي غارقة بدوامة تجرفها كل يوم نحو المفاجآت.

ربما نفتقر اليوم لعنوان واحد قادر على ترتيب أيام السنة ليجعلها قادرة على وضع احتياجاتنا بشكل مفهوم، فمع مغيب شمس النهار نكتشف أننا لم نستطع تجاوز ساعات اليوم إلا قهرا، بينما يبقى عدم قدرتنا على تبرير هذا العجز أمام أبنائنا مشهدا دراميا لم تستطع كل “المسلسلات” التلفزيونية خلال الموسم الرمضاني أن تجسده، لأنه نوع من حالة “الدفع” لأجيال المستقبل باتجاه الغرق أكثر في العبث أو التشرد أو حتى الهلوسة، وربما تعيد صور المدن السورية هذا المشهد بشكل مختلف مع ترتيب الألوان التي تجتاح وجه آي رجل مهدد بفقدان ابنه بالهجرة لمجرد البحث عن أمل.

هل تبحث الأجيال الجديدة عن الحب؟ أو شغف المعرفة في زمن “الذكاء الصنعي“؟ هل تعرف أنها على عتبة من التبدل القسري بعد أن احتل الذكاء الصنعي مفاصل الحياة؟ هذه الأسئلة هي وهم مع عدم القدرة على التفكير سوى بالعجز عن تلبية أبسط الاحتياجات، فمن كان يبحث عن مزيد من الحرية قبل عقد من الزمن أصبح حلقة في سلسلة الاحتياجات البسيطة، ومن فكر في ترتيب مساحه خاصة خلال محاصرة الحرب لساعات يومه يتعامل اليوم مع صور جديدة تستهلكه، وهناك من ظهر خلال الحرب وهو غير قادر على استيعاب أن هناك حياةً هو في وسطها.

هذه الصور للحياة ليست مجرد رسم تجريدي يبعث على الكآبة، إنما أسئلة تواجهنا في زمن نحاول إقناع أنفسنا بأنه يحمل الانفراج، لأن ما نحتاجه أكثر من “هندسة” لكسر رتابة الأزمة، وأبعد من حلم خاص لنهاية كابوس الحرب، فهناك شباب يحتاجون لمساحات استهلكتها الحرب، ولكسر نمطية التضخم الذي يفترس أحلامهم مع كل صباح، وهناك عائلات تحلم بأن تبقى على “جغرافية” هادئة تمكنها من مواصلة حياتها دون كابوس “الفقد” اليومي، وفي اللحظة التي يلفحنا الوعي بأن الحرب ليست مجرد معارك فقط، وأنها كسر لكل أحلام أبنائنا؛ عندها فقط ننجز خروجنا الكامل من الصور القاسية لزمن الأزمة.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة