هاشتاغ_مازن بلال
نشأت “إمارة شرقي الأردن” لامتصاص الخلل في التوزيع السياسي بعد اتفاقية سان ريمون بداية القرن الماضي، وتطورت على مساحة الاضطرابات التي عصفت بشرقي المتوسط على الأخص بعد حرب عام 1948، فهي دولة ظهرت بانهيار المشروع العربي بالدرجة الأولى، والحكم الهاشمي فيها جاء على قاعدة إعادة توزيع السلطة بعد انتهاء الحكم الفيصلي بسورية، وتثبيت دعائم آل سعود في الجزيرة العربية، والحكم الملكي في العراق كان منطقياً على أساس توزيع القوى في الشرق الأوسط ما بين بغداد ودمشق، إلا أن الحكم الهاشمي في الأردن كان “الأقوى”، والأكثر قدرة على رسم توازن في محيط “إسرائيل”.
قاعدة العلاقات السورية – الأردنية أخذت سياق الشكل “الجيوسياسي” للأردن، فهو يحقق نوعاً من الفصل في تحالفات شرقي المتوسط، ويؤمن أيضاً توازناً ضمن صراعات بين أنظمة سياسية متناقضة، ونادراً ما كان الأردن بعيداً عن أزمات دمشق مع النظام العربي، وفي المقابل شكل طوال القرن الماضي “جناحاً” مثالياً ما بين “راديكالية” سورية ومصر، والطبيعة المحافظة سياسياً لدول الجزيرة العربية.
السياق التاريخي لا يختلف اليوم، فالولايات المتحدة اعتمدت على الأردن لخلق فرص جديدة مع الانهيار الاقتصادي في لبنان بالدرجة الأولى، وأصبحت عمان وسيطاً ما بين حالة التشدد العربي تجاه دمشق، والدعوات العربية اللينة التي تدعو لعودتها إلى الجامعة العربية، فعودة سورية للنظام العربي لا تعني سوى أمر واحداً هو انتهاء الأزمة، والاعتراف بشرعية الانتصار على القوى التي عادت “السلطة السورية” طوال عقد من الزمن، لكن “المهمة” الأردنية تبدو مختلفة اليوم وذلك لاعتبارين:
الأول أن قدرة القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة على إيجاد مفاصل داخل الأزمة باتت محدودة، فهي وصلت إلى الحد الأعلى من المواقف وبات من الصعب إيجاد توافقات ولو محدودة، فالعواصم الكبرى مهتمة بإدارة خلافاتها، ومنع التناقض فيما بينها في الأزمة السورية من التأثير على الملفات الأكبر وعلى الأخص مسألة توسيع الناتو.
وفق الحدود القصوى من التوتر تأتي الأدوار الإقليمية التي تخلق مخارج لبعض نتائج الأزمة، وهذا ما يفعله الأردن حالياً بعد أن أدت الضغوط إلى خلق انهيارات متتالية لا تساعد على تطويق الأزمة، فالغاز المصري والوسيط الأردني يفتح هامشاً كان مغلقاً في مسألة العلاقات الإقليمية، وهو هامش يسعى لتحييد العامل السياسي الداخلي، ويحاول كسب الوقت وتبريد الجبهات منعاً لمواجهات مختلفة تدخل إيران طرفاً فيها.
الثاني اعتبار أردني يمتص التناقض الحاصل، والدور السابق للأردن خلال الحرب السورية، فعمان أبدت أكثر من مرة رغبتها في طي بعض الملفات المرهقة كملف اللاجئين، وهي تحتاج أيضاً لدفع اقتصادي لأنها لن تسلم من تداعيات الحصار على سورية والانهيار الاقتصادي في لبنان.
توازنات الأردن دقيقة، وفي المقابل فإن المغامرة بتجاهل التحولات التي تفرضها السياسات الأمريكية في المنطقة سيؤدي لاحتمالات مفتوحة، فالدور الأردني اليوم ربما لا يتعدى الحفاظ على الأمر الواقع، واستيعاب النتائج للأزمتين السورية واللبنانية ولكنه بكل تأكيد سيخلق عوامل سياسية تستفيد منها عمان بالدرجة الأولى، بينما تحتاج سورية إلى استراتيجية عميقة لجعل الدور الأردني فعالا بالنسبة لها.