Site icon هاشتاغ

التفاصيل التي تحاصرنا

هاشتاغ -نضال الخضري

قبل ثلاثة أشهر كانت غزة قائمة بتفاصيل تحمل هموم مدينة مرهقة، وربما بلون من الحياة ممزوج بالكثير من “القهر”، فهي بقعة مرمية وسط صحراء من الحقد وممزوجة بغضب يصعب نقله عبر وسائل الإعلام، فمشاهد الحياة قدمت كل عام “ترنيمة” حرب أو صخب عنف ينتهي عادة بلملمة الألم، وقبل ثلاثة أشهر ظهرت غزة مسرحا لم يتوقع أي محلل أنه سيختزن رعبا ينغرس كالبرق في أجسادنا.

في حرب غزة طيف واسع لا يقتصر على الغزاويين، فهم لا يملكون الوقت كي يخافوا أو يقلقوا، ولم تترك القنابل والقذائف أمامهم سوى إمكانية النجاة، فـ”إسرائيل” استطاعت تحويل ما يقارب من مليونين إلى جحافل بشرية تائهة تبحث عن الوصول لليوم الثاني من المعركة، أما غلاف غزة البعيد الذي أصبح أكثر مما يعتقد أي من الغزاويين؛ فهو يحمل هموم البث المباشر والتحليلات العسكرية و أخبار الانتصارات” ليحرقها كي يوقف صقيع الحرب التي تهاجمه كل لحظة.

تعلمنا من غزة أن “مسألة الانتصار” ليست مكلفة فقط بل هي مفهوم علينا إعادة النظر به، وأن الهزيمة أيضا مفهوم آخر يحتاج لدراسة أخرى، بينما “أطفال غزة” والغزاويين عموما هم الصورة التي انغرست في العمق وخلفت وجعا لا يمكن إيقافه، فالحرب كشفت على الأقل أن عبثية السياسة تحصد ضحايا أكثر من الحروب، وأن “التطبيع” بذاته رعب يكسر كل قواعد التوازن الذي حملته الأجيال منذ عام 1948، فهناك أكثر من “إسرائيل” واحدة تفتك بعقولنا وتبقينا مشاهدين للحدث، ومجندين لرؤية “مهرجانات الترفية” القائمة على مساحة تتجاوز الحرب في غزة.

على مدار عقود كنا ممتازين في استهلاك الإعلام، ونسيان تتالي الحملات ابتداء من تغطية الانتفاضة الثانية ووصولا لصور طوفان الأقصى، فنحن نغرق في المعلومات التي يُراد لها أن تصفعنا، ثم ندخل في حملة جديدة تعيد قذفنا بالأخبار العاجلة، وعندما نصل إلى حالة إشباع هناك “الترفيه” أو صورة “البديل” الذي لا يقدم المواهب فقط بل ينقلنا أيضا إلى حلم الترف حتى لو كنا نعيش في “غلاف الفقر” الذي يتوسع منذ عام 2011.

ربما نتوهم أن المسألة الفلسطينية استعادت أوجها بعد طوفان الأقصى، لكن التناقض ما بين الشمال والجنوب، وما بين أحزمة الفقر وترف المساحات الممتدة المنقولة إلينا إعلاميا كفيل بتبديد أي أمل في أن زمن التفكير العميق سيعود نتيجة “الرعب الإسرائيلي”، فهناك خطوط عبث سياسي متنقل لا يحاصر فلسطين فقط، إنما يلاحق كل مواطن ويرسم مساحات الوهم أمامه وينقل له صور وحشية ما يجري في غزة مثل درس تاريخي مرعب، وبالتأكيد هناك “شيء” غريب استعاد أوجه لكن لا علاقة له بفلسطين إنما بقدرة الآخرين على رسم مصائرنا، وهؤلاء “الآخرون” موجودون أمام الكاميرات وهو يتنقلون لإيجاد “هدن” إنسانية، ثم يسرقون المبادرة من أيدينا ويتركون لنا بقايا الحرب.

في النهاية فإن غزة “هالة قدسية” فوق كل من يفكر بأن الزمن لن يحمل الثبات، فالفلسطينيون تلامذة نجباء للمسيح ولكل الشهداء بعده وهم يعرفون أن الألم طريق حتمي للخلاص.

Exit mobile version