أُصدر المرسوم التشريعي رقم (22) لعام 2024 بتاريخ 2 أيلول 2024 والذي تم بموجبه تعديل المادة (1) من القانون رقم (18) لعام 2019 وقد قضت المادة الجديدة بجواز تعيين نسبة (10%) عشرة في المئة من الخريجين الأوائل من السوريين ومن في حكمهم في كل معهد أو قسم أو تخصص يمنح درجة دبلوم تقاني في الجهات العامة في كل عام دراسي من دون إعلان أو مسابقة، وقد كانت تلك النسبة في المادة القديمة محددة بـ(5%).
واشترط التعديل الجديد أن يكون المعهد تابعاً للمجلس الأعلى للتعليم التقاني، وأن لا يقل معدّل الخريج عن جيد بالإضافة إلى بيان الحاجة من قبل إحدى الجهات العامة بحسب الشواغر المتوفر، علماً أنه يتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي (57) معهد تقاني موزعين في المحافظات السورية وباختصاصات مختلفة.
لكن مجرد رفع نسبة الخريجين الأوائل الذي يحق لهم الالتحاق بالجهات العامة لا يعني أبداً أن هؤلاء الخريجين سوف يلتحقون فوراً بالقطاع العام حتى وإن كان من دون مسابقة، ولا يعني أن القطاع العام هو قطاع جاذب لهم فهو لا يشكل فرصة عمل ذات مردود حقيقي.
ويعود السبب في ذلك طبعاً إلى الخلل الجوهري الذي يعاني بسببه القطاع العام وهو التراجع الحاد في الرواتب، ولو عدنا إلى أجر بدء التعيين لفئة خريجي المعاهد في سلم الرواتب والأجور حالياً لوجدنا أنها تعادل (301569) فقط لا غير.
ويبدو من الواضح والمنطقي أن مبلغ (300) ألف ليرة سورية لن يكون مغرياً أبداً لفئة عمرية شابة يتراوح عمرها بين (20 و22) عاماً وأمامها مستقبل اقتصادي واجتماعي طويل، فذلك الراتب لن يكون قادراً على سد حاجات الكفاف لتلك الفئة فكيف ببناء مستقل؟
يضاف إلى ذلك فإن الحسابات الاقتصادية والبسيطة جداً تؤكد أنه فيما لو عمل أي خريج من خريجي المعاهد التقانية بمهنة خاصة ترتبط باختصاصه أو بمهنة حرة خارج اختصاصه بعدد ساعات عمله اليومية نفسه في القطاع العام لحصل بالحد الأدنى على ثلاثة أضعاف الأجر في القطاع العام، وبالتالي فإن الأعمال الخاصة والحرة أكثر جاذبية مادية من العمل في القطاع العام، هذا عدا عن الارتباط القانوني بالوظيفة العامة وما تفرضه من قيود على عمل الشباب من عدد سنوات خدمة وسن تقاعد وغيرها.
وبالتالي فما الحوافز المادية والوظيفية التي يتوقعها الخريجون الأوائل في حال فكروا بالتوظيف في إحدى جهات الإدارة العامة؟ هذا هو السؤال المركزي الذي بالإجابة عنه يحدد قرار الخريجين الأوائل إما بالتوظيف أم لا.
وعطفاً على ذلك نقول إنه في اقتصاديات العمل هناك ما يسمى بـ”العمل المُنتج”، أي العمل ذو المردود الكافي والذي يؤمن لصاحبة متطلبات أمن الدخل والعيش بكرامة، فهل سيؤمن القطاع العام عملاً منتجاً للخريجين الأوائل من المعاهد التقنية؟ وبالتالي فإن حل مشكلة استقطاب الخريجين الجدد تقع في مكان آخر تماماً، وتحديداً في حقل إصلاح نظام الرواتب والتعويضات والحوافز وغيرها.