كانت تمر بي مثل فيلم يحمل كل الإثارة الهوليودية، فأن يصبح القتل بهذه الصورة أمر يصعب فصله عن شاشات السينما، وأشكال الحبكات الدرامية في عروض الخيال العلمي، ففي الأيام الماضية كانت “العروض” واقعية لدرجة حرجة.
وأشكال الموت التي انتشرت خلال دقيقة واحدة لا تحمل سوى الخيال الدرامي الذي تنتجه هوليوود، فهو إخراج لا يحمل سوى مساحة موت لكنها تنتشر بيننا ولا تبقى محصورة ضمن فيلم يمكن أن ننساه بعد انتهاء العرض.
ما شاهدته لم يكن تفوقا بالحرب السيبيرانية، أو تجاوزاً تقنياً خارقاً لأنه ببساطة كان تجسيداً لخيال حروب الاستخبارات التي طالما أظهرت قدرة في شطحات الخيال، فأن تفجر أجهزة الاتصال ربما تكون جزءاً من حرب تحاول اقتلاعنا، لكنها في الوقت نفسه تجاوزاً لكل ما يمكن أن نتصوره من صور الإبادة والانتقام، لأنها ظاهرة رعب تريد أن تصبح جزءاً من صور التفوق التي تغمرنا بها “إسرائيل“، لكنني لم أفهمها بوصفها حرباً نفسية بحسب بعض التحليلات، بل كسرا لكل ما يحيط بنا من اتصال بالآخر، ففي النهاية هناك تواصل مع الرعب والموت والقتل، وخوف من هوية هذا العصر الذي أصبح سيلاً من الاتصالات والمعلومات.
ربما تسعى “إسرائيل” إلى نقل “ثقل المعركة” شمالاً بحسب تصريحاتها، لكنها نقلت شيئاً آخر باتجاهنا، فعندما تصبح الحروب متنقلة بطريقة أجهزة الاتصال نفسها فإن الصورة ستختلف عما اعتدناه، وسيغدو الموت ظاهرة تفرد في الخيال، وطريقة لجعل الصور التي نحملها قاتمة أكثر من اللازم، فما فجرته “إسرائيل” ليست أجهزة اتصال فقط، بل قدرتنا على تحمل وجودها لأنها لم تعد تمثل تهديداً إنما موتاً يريد إقناعنا أن الحياة هي حالة طارئة في منطقتنا.
لم تعد “إسرائيل” مجرد عدو تقليدي كما ظهرت عام 1948، فشكلها في ذاكرتنا تبدل، وملامح العداء دخلت أيضاً مرحلة غير تقليدية، لأنها تريد الإيحاء أن تفوقها يحكم حتى الكلمات التي ننطقها، أو الرسائل النصية التي نستقبلها، وإذا كان صحيحاً أنها باتت جزءاً من شبكة العلم في جامعات مشهورة ومراكز أبحاث متفوقة، لكنها تمثل الجوانب القاتمة من الحياة، فهي باقية حتى نستطيع كسر الحاجز الثقافي الذي يجعلنا وفق الخطاب الإعلامي ضحايا، ونبني في المقابل تصوراً لوجودنا خارج نمط الصراع الذي تطور منذ أن انتهت الإمبراطورية العثمانية.
لن ننكر التفوق التقني الذي تقارعنا به “إسرائيل” ولا القدرة التي تبسطها اليوم فوق عالم يريد بقاءها، لكننا في المقابل نملك خيالاً خاصاً لا علاقة له بأفلام “الإثارة” الهوليودية، فهو دفق معرفة نضيعها يومياً وتحتاج إلى مسار جديد، ونحن أيضاً قادرون على امتلاك تصورات جديدة خارج “البهرجة” التي تطفو فوق مساحة العالم، وخيالنا ربما صعب الفهم لكنه في النهاية يستطيع أن ينجو من القتل لأنه يسعى للحياة.