عُرف الصوم في العراق مع شعوبه القديمة التي سكنته من السومريين والآشوريين والكلدانيين والصابئة المندائيين، ولكن ما هي طبيعة الصوم وما الغاية منه، وفق المعتقدات التي كان يؤمنون بها؟
تباينت آراء الباحثين والمتخصصين بين من يرى الصوم عادة قديمة لدى الحضارات القديمة بغية التقرب الديني، وبين من يرى أن فرضه جاءت به الديانات السماوية، لكنه يختلف من حيث التطبيق بين ديانة وأخرى.
وعن الصوم عند شعوب وادي الرافدين، يقول الباحث في علوم وتاريخ الحضارات والأديان الدكتور خزعل الماجدي أن الصوم عند السومريين كان يستند إلى أساس تحريم نوع معين من المأكولات الحيوانية أو النباتية لأسباب ظاهرها ديني ترتبط بأسطورة معينة، أما الأسباب العميقة فكانت اقتصادية في محاولة للحد من استهلاك نوع من اللحوم أو النباتات وخصوصا أيام القحط والكساد، ولم يكن الصوم تقليدا ثابتا ودورياً.
ويوضح الخزعلي أن الصيام كان معروفاً وممارساً بشكل واضح من قبل بعض الملوك الآشوريين، إذ نقرأ في أحد تلك النصوص على لسان الملك أسرحدون وهو يصف حاله بعد الصيام جائعاً، ويبدو أن إصراره على الاستمرار في الصيام ربما يعود إلى كونه من أكثر الملوك الآشوريين تديناً، كما تشير إلى ذلك العديد من الرسائل الملكية، ويبدو أن هذا الأمر دفع بأطبائه ومستشاريه من الكهنة إلى ضرورة التدخل للتوقف عن تواصل الأيام في صيام الملك أكثر من ذلك للحيلولة دون الاستمرار في تدهور صحته.
وعن الكلدانيين يشير الخزعلي إلى أنهم كانوا يصومون 30 يوماً، وهي بعدد الأيام التي تقطعها الشمس من كل برج من أبراجها، ولا يأكلون ولا يشربون من شروق الشمس إلى غروبها، وكأن الصوم موجه للشمس (شمش) ويكون الإفطار خالياً من اللحوم غير أنه يتضمن الألبان والنباتات.
ويعتبر الصوم عند الصابئين من خيرة الأعمال، ويقسم إلى قسمين، الكبير والصغير. وذلك حسب كتاب الصيام عند الصابئة المندائيين للكاتب حسام هاشم العيداني.
فالصوم الكبير فهو صوم النفس قلباً وعقلاً وضميراً، ورؤيةً وكلاماً وسماعاً، ومن خلال إمساكها عن الوقوع في المُحرمات.
أما الصوم الصغير فهو صوم الجسم عن الملذات الدنيوية، والغاية منه إخضاع النّفس في البدن وترويضها. ويعتبر الصوم الصّغير فريضة واجبة على الصَابئين في 36 يوماً موزعة على مدار السنة.