هاشتاغ – يسرى ديب
ينتظر السوريون موسماً وفيراً من الزيتون لم يحصل منذ 4 سنوات.
لكن مشاكل التسويق الناتجة عن انخفاض القدرة الشرائية وصعوبة التصدير تزيد من أعباء جني المحصول المكلف.
مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة عبير جوهر قدرت إنتاج هذا الموسم بما لا يقل عن 820 ألف طن، بينما كان في العام الماضي 560 ألف طن.
وقالت جوهر في تصريحات خاصة ل “هاشتاغ” إن المساحات المزروعة بالزيتون والواقعة خارج سيطرة الدولة تصل إلى نحو 26% من إجمالي المساحة المزروعة بالزيتون والمقدرة بنحو 196 ألف هكتار على مجمل مساحة الأراضي في سوريا.
وذكرت أن هذه النسب تتوزع بين:
85% من إنتاج حلب الواقع خارج سيطرة الدولة، حيث تشكل حلب النسبة الأكبر من حيث المساحة المزروعة بالزيتون وعدد الأشجار.
كما تبلغ المساحة الخارجة عن السيطرة في محافظة إدلب 79% من إنتاج المحافظة، و11% من إنتاج الغاب.
و 40% في إنتاج دير الزور، و82% في الحسكة، و77% في الرقة.
وذكرت جوهر أن إنتاج هذه المناطق منخفض هذا العام بسبب الطقس، مقدرةً الكميات المنتجة من هذه المناطق بأكثر من 238 ألف طن.
وتشير إحصاءات وزارة الزراعة السورية إلى أن عدد أشجار الزيتون في المناطق المحررة في إدلب فقط يصل إلى 2.2 مليون شجرة زيتون.
وكانت محافظة إدلب أعلنت عن طرح حقول الزيتون للاستثمار بالمزاد العلني في الريف المحرر ( خان شيخون، معرة النعمان، سراقب سنجار، أبو الظهور).
وقالت جوهر إن الأولوية في الاستثمار مخصصة للأقارب حتى الدرجة الرابعة، ووصفت القرار بالجيد لأنه يساهم في استثمار الأراضي الكثيرة لتصبح منتجة، لأن بقائها دون استثمار أمر غير صحيح.
كافية وتزيد
جوهر أشارت إلى أن إنتاج المناطق التي تسيطر عليها الدولة تكفي حاجة السوق المحلية وتزيد؛ فالتقديرات الأولية تشير إلى إنتاج نحو 125 ألف طن من زيت الزيتون.
وبينت أن الاستهلاك المحلي منها لا يتجاوز 60 ألف طن.
ويرى اقتصاديون أن الفائض من إنتاج زيت الزيتون ليس حقيقياً، وإنما بسبب انخفاض القدرة الشرائية لدى الناس، إذ أن غالبية الأسر أقلعت عن استهلاك زيت الزيتون بعدما ارتفع سعر “البيدون” إلى أكثر من 300 ألف ليرة، وهذا رقم خيالي لغالبية العاملين في الدولة والكثر ممن هم تحت خطر الفقر.
ودأكدت جوهر أن حصة الفرد السوري من زيت الزيتون انخفضت إلى النصف.
ففي حين كانت تصل إلى 6 كليو زيت قبل الحرب تراجعت إلى 2_3 كيلو خلال سنوات الحرب.
لن تنخفض الأسعار
لا تتوقع جوهر أن تنخفض أسعار الزيت حتى مع تحسن الإنتاج، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. وبينت أن سعر صفيحة الزيت (16 لتر) للعام الماضي لا يقل عن 150 ألف ليرة دون هامش الربح، وتتوقع أن تكون هذا العام أعلى، خاصةً أن التجار يخزنون الزيت ولا يبيعونه إلا بالسعر المناسب حسب قولها.
لم يُصدّر
مع انخفاض القدرة الشرائية الكبير يصبح تسويق الفائض من الإنتاج معضلة حقيقية.
وقد سبق للحكومة أن منعت تصدير زيت الزيتون كمادة ضمن المواد التي تقرر منع تصديرها، لكنها تراجعت عن هذا القرار مؤخراً، وسمحت بتصدير 5 ألاف طن زيت.
لكن القرار لم يعُد بالنتائج المأمولة. حيث بينت جوهر أن كل ما تم تصديره خلال العام الماضي بعد تمديد قرار السماح لم يتجاوز 2000 طن.
وتؤكد جوهر على ضرورة السماح بالتصدير لكي لا يخرج زيت الزيتون السوري من الأسواق الخارجية من جهة، ولكي يحقق المنتجون عوائد مناسبة من جهة ثانية.
أعباء القطاف
موسم الزيتون من المواسم الرئيسية للكثير من العائلات في الساحل السوري ودرعا وحمص وغيرها من المناطق السورية، إلا أن الكثير منهم يشعرون بعبء الجني مع غياب الكثير من الأدوات المطلوبة لقطاف المحصول، إضافة لنقص اليد العاملة التي تشكل كلفتها 40% من إجمالي تكاليف إنتاج الزيت.
“عسكرة” في الأرض
يقول ياسر أحمد لـ “هاشتاغ” إن لديهم أكثر من 10 دونمات زيتون، وإن قطاف موسم وفير كهذا يحتاج منهم إلى أكثر من شهر من ” العسكرة” في الأرض.
وبين أحمد أن المشكلة الأكبر التي تواجه مواسم الزيتون هي نقص اليد العاملة، بعد ذهاب غالبية شباب ورجال المنطقة للحرب، الأمر الذي جعل تكاليف العمل مرتفعة للغاية، حيث تتراوح أجرة العامل بين 25 إلى 30 ألف ليرة.
محاصصة!
يختلف الأجر المدفوع للعامل بين العيني والمادي، فهنالك من يطلبون الأجر كحصة من الزيتون، وهنا يمكن أن تكون حصة العامل أكثر من صاحب الزيتون حسب وعورة الأرض، ومدى حمل الزيتون، فعندما تكون الأرض سهلة والزيتون وفير يحصلون مقابل كل ثلاثة “تنكات” من الزيتون على واحدة، وفقا لأصحاب الأراضي.
أما إذا كانت الأرض جبلية منحدرة والأشجار معمرة فيطلبون نصف الإنتاج.
تقول الموظفة سهاد علي إن لديهم 4 دونمات من الزيتون في قرية جبلية تابعة لمدينة جبلة، وبينت أنه في كل عام يحصل عمال القطف على حصة تفوق ما حصلت عليه هي وأولادها.
تضيف أن ولديها اللذان كانا يتقاسمان العمل معها يخدمان في الجيش منذ سنوات، وهي لا تستطيع أن تدفع أجرا للعمال للحصول على كامل الإنتاج.
من جهته، يقول علي حسن إن حاله حال معظم العائلات السورية، حيث يعمل في أكثر من وظيفة لتأمين تكاليف الحياة، وهذا يعني أنه لن يتمكن من التفرغ لموسم قطاف الزيتون كما كان يحصل سابقا، كيلا يخسر عمله، ويصبح الاعتماد على العمالة المأجورة أمر لا مفر منه.
مواصلات مكلفة
سميرة غانم أم لأربعة بنات تقول لـ “هاشاغ” إنه ليس لديهم زيتون ولكنها منذ اهتدت إلى العمل في قطاف الزيتون المأجور أصبحت تملك من هذه المادة أكثر من أصحاب الملك.
أضافت غانم أنها توافق على العمل بالحصة أو بدفع المال العيني، ولكن أغلب أصحاب الزيتون يفضلون الحصة لكي لا ينفقوا على القطاف، لقلة الأموال من جهة، ولكي لا يشعرون بالأعباء المادية من جهة ثانية.
وتبين غانم أن للعمل في الأجرة مشاكله أيضاً فهنالك تكاليف وصعوبة في تأمين المواصلات للوصول إلى الأراضي، خاصة البعيدة، وغالباً ما يعتمدون على الدراجات النارية ويشترون البنزين بالسعر الحر.
أضافت غانم أن حقول الزيتون ينقصها الرعاية والفلاحة والاهتمام، الذي تراجع كثيراً بعد نقص المحروقات وارتفاع أسعار الحراثة.
وهذا يعني، كما تقول، إن الأرض تحت الشجرة مليئة بالعشب اليابس والشوك، كما تنتشر العقارب كثيراً في أراضي الزيتون وحوادث لدغ العقرب تتكرر كثيراً في المواسم.
أضافت غانم أن هنالك أراض وعرة، وأحياناً تكون حمولة الزيتون متدنية الأمر الذي يجعل إنتاجيتهم أقل وبالتالي حصتهم أقل أيضاً.
تكاليف إضافية
ليس هذا كل شيء، بل هنالك ارتفاع في تكاليف المعدات التي يحتاجونها مثل الشوادر المستخدمة لجني المحصول، أو تأمين المحروقات لوسائل النقل.
لا عوائد..
بالرغم من ارتفاع أسعار الزيت والزيتون في الأعوام الأخيرة، إلا أن هذه الارتفاعات لم تحقق عوائد جيدة للأسر، بسبب صغر حجم الحيازات وتفتتها بين الورثة في مناطق الساحل السوري، فبعد أن تأخذ العوائل المنتجة للزيت حاجتها، و احتساب تكاليف الإنتاج الكبيرة يصبح المبلغ الذي تحصل عليه غالبية الأسر محدود، رغم كل الإرهاق الذي يسببه سعر بيدون الزيت للمستهلك.