الأربعاء, سبتمبر 25, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارتحقيق يكشف عن "مذبحة المدن" التي تنفذها إسرائيل: تريد محو غزة والذاكرة...

تحقيق يكشف عن “مذبحة المدن” التي تنفذها إسرائيل: تريد محو غزة والذاكرة معها

كشف تحقيق لموقع “ميديابارت” أن حجم الخراب في قطاع غزة جعل الخبراء يطالبون بتصنيف التدمير المنهجي للمدن، المعروف بـ”مذبحة المدن”- جريمةَ إبادة، لأن الزعم الإسرائيلي بأن هدف الحرب القضاء على حركة “حماس” لا يكفي لتفسير التدمير الهائل والممنهج للمباني والبنى التحتية وحتى للذاكرة.

كتب الموقع الفرنسي، في تحقيق مطول بعنوان “مذبحة مدن في غزة.. يريدون جعلنا ننسى أننا عشنا هنا”، أن تفجير مبنى بلدية رفح وتصويره من الجو لم يكن إلا واحدا من مئات التسجيلات التي تظهر تدمير مبان وأحيانا مربعات سكنية كاملة وبنى تحتية على يد جنود إسرائيليين، أو بقنابل وصواريخ تحول السكنات والبنايات الرسمية وخزانات مياه المدن والمصانع ومحطات معالجة المياه والمدارس إلى ركام.

يذكر أن برنامج التنمية الأممي قال في تقرير له في أيار/مايو الماضي إن “إعادة إعمار ما لحق البنية التحتية العامة من دمار شديد يستلزم مساعدة خارجية غير مسبوقة منذ 1948″، حين أطلقت الولايات المتحدة خطة مارشال للمساعدة في إعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

وتوقع التقرير أن تستغرق إعادة بناء الوحدات السكنية المدمرة 28 عاما، حتى لو ضُوعفت 5 مرات مواد البناء التي تدخل غزة.

وتشير التقديرات إلى أن 6 من كل 10 بنايات دمرت في غزة خلال الأشهر التسعة الأولى من الحرب.

مذبحة المدن

وقال “ميديابارت” إن هذا التدمير الهائل والممنهج جعل الخبراء يطرحون مصطلح “أوربيسايد” (مذبحة المدن”) الذي ظهر عام 1960 لوصف إرادة سياسية ما في تدمير مدينة على نطاق واسع، بل وجعلهم يطرحون حتى مصطلح “دوميسايد” الذي يعني تعمُد تدمير مقومات الحياة.

وذكّر الموقع بلقاء مع “نيويورك تايمز” أجراه بالاكريشنان راجاغوبال المقرر الأممي للحق في السكن اللائق نهاية كانون الثاني/يناير الماضي قال فيه إن من يدمر غزة “كمن يمحو ماضي وحاضر ومستقبل كثير من الفلسطينيين.. إنها جريمة مكتملة الأركان: إنها ’(دوميسايد)، فليس من المبالغة القول إن جزءا كبيرا من غزة لم يعد يصلح للعيش”.

وكتبت “ميديابارت” أن تدمير المراكز الحضرية ومقومات الحياة أمر قديم قدم المدن والحروب نفسها.

عقاب جماعي

أستاذ الجغرافيا الحضرية والسياسية في جامعة تورين الإيطالية فرانشيسكو تشوديلي يذكّر بأن الأمر في غزة لم يبدأ بهجوم “طوفان الأقصى”، بل بالحصار الذي فُرض على القطاع عام 2007 “إثر سيطرة حماس على السلطة هناك”، ولم يكن هدف “إسرائيل” القضاء على قادة “حماس” أو بقية الفصائل الفلسطينية بقدر ما كان القضاء أيضا على البنية المادية للقطاع.

وقال تشوديلي لميديابارت: “هذا عقاب جماعي هدفه الإبقاء على سكان غزة في وضع بائس للغاية لحملهم على التخلص من حماس”.

وحتى قبل الحرب الحالية تعرض القطاع الصغير لـ5 حملات مدمرة منذ 2008، ما كان سكانه ليستطيعوا الإفلات منها بسبب الحصار المفروض برا وجو وبحرا.

ونقل “ميديابارت” عن أستاذ الجغرافيا الحضرية والباحث في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية دين شارب قوله إن “مذبحة المدن” لا تقتصر على التدمير المادي بالتفجير أو الجرف، لكن تشمل أيضا منع إعادة الإعمار، “فقبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وبسبب الحصار، لم تعدم إسرائيل وسيلة لمنع إعادة الإعمار، بتقييدها تقييدا شديدا دخول مواد البناء وحركة الأفراد”.

ومع ذلك، فإن ما يجري في غزة منذ 11 شهرا لم يُنكب به أي مكان في التاريخ، وهو أسوأ -حسب المقرر الأممي للحق في السكن اللائق- مما أصاب روتردام أو درسدن أو طوكيو خلال الحرب العالمية الثانية.

وقال راجاغوبال: “ما ألقي على غزة من القنابل وما سببته من ركام يفوق مثيله في أي نزاع آخر درسه الباحثون”.

ونوه تشوديلي إلى أن الغارات في النزاعات السابقة كانت تصيب عمارات ومباني حكومية بعينها، إضافة إلى بعض المنشآت الصناعية مثل محطات الكهرباء، “أما في غزة، فقد خرج التدمير تماما عن السيطرة، فالجيش الإسرائيلي لا يستثني شيئا، ويبدو أن الهدف إنزال كارثة كبرى بغزة لا يفلت منها السكان، وإعادة القطاع إلى نقطة الصفر”.

الجيش الإسرائيلي اكتفى في رده على أسئلة “ميديابارت” بالإدعاء أن عقيدته القتالية تمنعه من إلحاق الأذى بالبنية التحتية المدنية خارج الضرورات العسكرية، وأن عملياته تتوافق مع القانون الدولي.

ومع ذلك، يقول “ميديابارت” لا يصمد هذا الزعم الذي يدفع به الجيش الإسرائيلي باستمرار أمام تمحيص الخبراء، ومنهم راجاغوبال الذي يشير إلى أن التدمير الشامل للمباني دون تمييز يبقى محظورا حتى على افتراض صحة الادعاء القائل إنه لم يحدث إلا لوجود مراكز سيطرة وتحكم في هذه المناطق المدنية، ناهيك عن أن إسرائيل لم تُثبت أبدا صحة زعمها هذا.

أما شارب أستاذ الجغرافيا الحضرية فيذكّر بأن القانون الدولي يلزم الجيوش بحماية المدنيين وبيوتهم وأحيائهم حتى لو كانوا يقطنون مناطق تطلق منها قذائف، ويلزمها أيضا بألا تجعلهم عالقين في مرمى النيران. أما في غزة، فإن إسرائيل تستهدف أيضا بيوت الناس وأحياءهم، وفي هذا المقام “لا نتحدث عن معارك تدور في مواقع عسكرية وخنادق، بل إن صالونات حلاقة وأماكن عمل وفي أحيان كثيرة مدارس أيضا تتعرض للتدمير”.

ووصف شارب ما يجري بأنه “انتقام هائل لم يعد يسيطر عليه أحد”، وبأنه “التجسيد الأمثل لمصطلح مذبحة المدن”.

الذاكرة والوثيقة

وتقول ميديابارت إن الحرب الحالية تتجاوز كونها عملية عسكرية إلى محاولة لتدمير الإدراك والوعي الفلسطيني، وهو ما جعل مندوب جنوب أفريقيا تيمبيكا نكوكايتوبي يتحدث في مرافعته أمام المحكمة الجنائية الدولية في كانون الثاني/يناير الماضي عن منطق حرب إبادة تمارس بأمر مباشر من قادة إسرائيليين أوعزوا بمحو غزة من الوجود.

وذكّر الموقع بتسجيلات عرضها مندوب جنوب أفريقيا تظهر تدمير أحياء كاملة بالديناميت، وتظهر أيضا شهادات جنود أقروا بضلوعهم في هذا التدمير الشامل وكانوا أحيانا يلتقطون لأنفسهم صورا تذكارية أمام ما أحدثوه من خراب.

وقال تشوديلي أستاذ الجغرافيا الحضرية إن “ما يسعى الجيش الإسرائيلي لمحوه هو ذاكرة الناس، فالبيت عش المرء حيث أقاربه وعائلته”، قبل أن يضيف: “ما يحدث هو إبادة الحياة الحميمية للناس. إنهم يدمرون كل شيء مرتبط بحياة الناس”.

مقالات ذات صلة