هاشتاغ_مازن بلال
فرضت ضرورات الحرب منذ عام 2011 حالة اقتصادية خاصة على السوريين، وعندما بدأت العقوبات والحصار ظهر معها نقاشات إعلامية بالدرجة الأولى حول التأثيرات المحتملة لما سيحدث لاحقا، واللافت أن التآكل الاقتصادي لم يكن محورا في التعامل مع ظروف الاضطراب رغم أن البنية التحية السورية كانت تتعرض لتدمير ممنهج، وكان على الناس الانتظار عشر سنوات قبل أن يشعروا بحدة تداعيات الحرب، فالظروف التي سبقت جائحة كوفيد ربما طغت على المسائل الاقتصادية، بينما أوضحت التسويات عمق الكارثة الاقتصادية التي تفاقمت سريعا مع خفة حدة المعارك.
بالتأكيد فإن الحصار والعقوبات طوقت التحركات الاقتصادية، وأصبحت عنوانا إعلاميا يلازم اللقاءات والمؤتمرات السياسية، لكن السؤال الذي كان من المفترض أن يظهر منذ عام 2011 يرتبط بـ”اقتصاد” الحرب، ومواجهة واقع أنكر الجميع عمقه واستمراره، فتجذر الأزمة السياسية لا بد أن يترافق مع واقع اقتصادي “مشوه” أيضا بفعل العلاقات الاجتماعية – الاقتصادية التي فرضها التناقض السياسي، وأدى “إنكار” الأزمة بذاتها إلى حالات من “التجاهل” تجاه التردي الاقتصادي المتوقع.
عمليا خسرت سوريا “مواردها البشرية” بالدرجة الأولى، وهذه الخسارة مستمرة وبشكل حاد اليوم رغم صعوبات الهجرة التي أعقبت الموجات المتلاحقة للاجئين في مراحل الحرب الأولى، فالأمان والسلامة التي دفعت ملايين السوريين للمغادرة تبدلت اليوم وأصبح الدافع يرتبط بعجز الإنتاج وحتى بانسداد أفق الاتفراج السياسي، ويتعلق هذا الأمر بمسألتين أساسيتين:
أقرأ المزيد: بيدرسون والزمن الضائع
الأولى انتهاء دور الدولة كضامن لتأمين فرص العمل ليس نتيجة الحصار فقط، بل أيضا بسبب عدم القدرة على تحريك الإنتاج بشكل مختلف، فالهيكلية الاقتصادية لم تبدل نظرتها رغم الحرب وتآكل موارد الدولة.
هناك تمسك رسمي بوظائف الدولة كما كانت عليه قبل الحرب، رغم أن الإجراءات الاقتصادية التي تظهر اليوم توضح أن هذا الأمر بات مستحيلا، ولم يعد بالإمكان انتظار بعض الانفراجات لاسترجاع الأدوار المتآكلة، فالحرب فرضت سلسلة خاصة في مسألة الإنتاج، في وقت لا يبدو أن دراسة ما خلفته الأزمة على البنى الاجتماعية يأخذ أهمية لقراءة واقع الاقتصاد المقبل، فهناك رهان دائم على انفتاح سياسي إقليمي على الأقل يسمح باسترجاع الوضع السائد قبل الحرب.
المسألة الثانية مرتبطة بـ”اقتصاد الظل” الذي نتج عن الحرب وهو شأن طبيعي بعد أي حروب تشبه ما حدث في سورية، ولا يبدو أن الصراع مع هذا الواقع الاقتصادي يأخذ أبعادا كاملة، فيتم اختصاره بــ”محاربة الفساد“.
أقرأ المزيد: ما لا يمكن تفسيره
“اقتصاد الظل” هو حالة فساد لكنها متشابكة أكثر مع العلاقات بين الدولة والمجتمع، فهي تحتاج أكثر من عنوان عريض لـ”محاربة الفساد”، ولحالة منافسة محمية اجتماعيا على الأقل توفر فرصا اقتصادية قادرة على التطور لإنهاء أدوار “اقتصاد الظل” ولو بشكل تدريجي.
تبقى تصورات الأزمة وما بعدها غائبة سياسيا وهو ما يجعل الوضع الاقتصادي في حالة نكران لارتباطه العضوي بأفق التسوية، وفي المقابل فإن غياب هذه التصورات يكسر احتمالات الحلول الممكنة حتى مع العقوبات والتداعيات الكارثية لسنوات الحرب، فهناك هروب من حقيقة التحول الذي فرضته الأزمة، وأن مسألة “الانتصار” لا تعني أننا قادرون على العودة إلى الوراء والنظر بنفس أدوات ما قبل 2011.