Site icon هاشتاغ

تقلبات في مساحة “الحياد”

هاشتاغ – نضال الخضري

يمكن البدء من الخبر السياسي لدفع مساحة التفكير بعيدا عن النمطية التي اعتدناها، وعن الصرامة في تشكيل قناعات لازمتنا منذ الطفولة، فالعالم المتغير لا يترك لنا خيارات البقاء عند حدود لا تتحرك.

وربما لأن الحياة متقلبة ولا تعرف الحياد فإن ما يتبعها لا يترك للمنتظرين عند حدود الماضي أي مجال للخروج من الدائرة المغلقة، وفي الحدث السياسي صورة من “الاشتباك” الدبلوماسي بين واشنطن والرياض، وفيه أيضا لوحة غير مألوفة لعالم ما بعد العولمة والذكاء الصنعي، فكيف يمكن للحياد أن يصبح “عقيدة” تكبلنا على ظلال الماضي.

المسألة تتعدى قضية الرياض وواشنطن بشأن خفض إنتاج النفط، فالمهم أن الصورة التي وصلتنا لا تبدو مألوفة، وربما ستبدو عابرة تنتهي بعد دقائق بتحليلات تجبرنا على التوقف وعدم النظر لأبعد من أنوفنا، لكن الملامح التي تأتينا من أصقاع الأرض تحرك السكون الذي اعتدناها سواء في إطلاق الأحكام، أو في رسم ملامح الحياة وكأنها فصام دولي بين الشرق والغرب، وبين القدرات الخارقة للولايات المتحدة أو على النقيض تصورات انهيارها.

ما بين الخيال والأمنيات يتبدل العالم ونحن “محايدون” وربما مقتنعون بأن كل المسافات التي تفصلنا عن الآخر مخلوقة بحكم العادة، وبقرار “الحياد” تجاه ممكنات التغيير، فالغرق بـ”الاستقرار” مستمر رغم سنوات الحرب التي فشلت في تحريض أفكارنا باتجاه عالم مختلف.

تغير الحروب العالم وتعيد تشكيل الثقافات لأنها اختبار لكل ما نملك من قناعات، وهي أيضا صورة خاصة للحياة التي لا تحمل معها أي ثبات ممكن، ورغم أن خبر الاشتباك بين الرياض وواشنطن لا يقوم على حرب، وربما يبدو نموذجا عابرا لعالم يخرج عن المألوف، لكنه قائم على مساحات الحروب التي اندلعت، وعلى “انكسار” نظام إقليمي كان إطاره “الجامعة العربية، وهو أيضا تبدل في بعض أنماط المصطلحات التي سادت قبل بضعة عقود عن دول “الاعتدال العربي”.

نخن نحتاج لقاموس لغوي جديد لا يرتبط بخبر سياسي فقط، إنما بالاحتمالات التي يحتاجها “عدم الحياد”، والانفصال عن زمن يحكم أسلوبنا في إبداع التفكير لزمن ما بعد الحرب.

في القاموس السوري لزمن ما بعد الحرب يمكننا أن نكسر مألوف التفكير بإنهاء “الحياد” القاتل للإبداع، والنظر إلى أنفسنا كجزء من تقلبات الحياة التي لا تتحمل البرود الذي نواجه به احتمالات المستقبل، فأحلامنا لا علاقة لها بالخبر السياسي إلا من باب محاولة الخروج عن مألوف التفكير، وكسر طوق العزلة الذي بنيناه بأنفسنا على أنه منهجية تفكير.

إعادة الإعمار طريق نسلكه بحيادية لا تحمل معها الاحتمالات المتصاعدة لعالم يتسم بكل أشكال التقلبات، والتنمية التي نواجهها في كل أدبيات منظمات الأمم المتحدة (ومنظمات المجتمع المدني أيضا) هي عالم لا يمكن أن يقف عند حدود ما يُنقل إلينا في ورشات العمل والمؤتمرات التي تبدو كحالة تنميط دولي، ففي خصب التجارب للمجتمع هناك أيضا “رؤية” علينا إبداعها دون “حياد” لأن التنمية هي مغامرة أيضا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version