هاشتاغ _ لجين سليمان
ما إن تحرّكت صفائح القشرة الأرضية، وحررت طاقتها كاهتزازات، حتى وصلت إلينا تلك الطاقة نحن القاطنون على سطح الأرض على شكل خراب ودمار، فأعلن أبناء سوريا تضامنهم بمختلف الطرق والوسائل، كل حسب موقعه وعمله، سواء من كان منهم في الداخل أو الخارج.
ولأن الآثار الكارثية للزلزال ستستمر على المدى الطويل، والتي ستضاف إلى ما نعانيه في سوريا من مشاكل، فقد اتجهت أنظار كثيرين إلى ضرورة ترميم القطاعات السكنية، فبالإضافة إلى المباني الكثيرة التي دُمّرت، هناك الكثير من المباني المتصدعة وتحديدا بعد تعرّضها للهزات الارتدادية، وهو ما بدأ يُثير قلق القاطنين، فبدأوا يستدعون المهندسين من مختلف الاختصاصات خوفا من الأسوأ.
ما سبق يستدعي ضرورة إقامة قاعدة بيانات لحصر الأضرار، والكشف عن حالات المباني القائمة، وهو ما قام به الدكتور المهندس “باسم عبد الله” المختص في الهندسة الإنشائية وتحديدا في تدعيم المنشآت، عمل على ذلك بمبادرة فردية وذلك بالتعاون مع مجموعة من المهندسين السوريين الذين لبّوا النداء سريعا، وعملوا على التعاون معا للخروج بدليل للكشف عن المباني المتضررة وإجراء تقييم لها بأسرع فترة ممكنة، تمهيدا لجمع معطيات دقيقة توصّف الواقع.
الدكتور “عبد الله” هو مؤسس شركة “فايف جابان” للاستشارات الهندسية وتدعيم المنشأت، وضع استراتيجية لمعالجة المناطق المتضررة، تبدأ بتقييم الأبنية بشكل مبدأي، وتنتهي بوضع مخطط متكامل يشير إلى حالة الأبنية بشكل مفصّل، الأمر الذي يوفّر قاعدة بيانات شاملة لوضع أطر لمعالجة تلك المباني.
تحدّث الدكتور في تصريح خاص لـ “هاشتاغ” حول كيفية معالجة المناطق المتضررة من الزلازل تاريخيا، والتي كان منها ما حصل في تركيا، عندما وقع زلزال “قوجه” عام 1999، عندها طلبت الحكومة التركية بشكل رسمي من الحكومة اليابانية أن ترسل فريقا ليطوّر نظاما مطابقا للأبنية القائمة هناك، واكتشفوا أنّ نوعية الأبنية الموجودة في تركيا أقل سوية من الناحية الإنشائية من تلك الموجودة في اليابان، وبالتالي أضرارها أكبر، لأن تأثير الزلازل فيها سيكون أكبر، ولذلك تم تطوير هذا الدليل الذي كان معدّا في الأصل من أجل اليابان، وتم اعتماده ليصبح صالحا للتطبيق على تركيا والبلاد المجاورة، وهو ما يعني إمكانية تطبيقه على سوريا أيضا.
ولفت الدكتور إلى أنّ هذا الدليل صدر عن وزارة “البنى التحتية والأراضي والمواصلات اليابانية” .
وأضاف: “عندما اطلعت على التقرير وجدت حالات أبنية مشابهة للأبنية في سوريا، على سبيل المثال يوجد نفس طريقة البناء للإطارات والبلوكات التي توجد في الجدران ، لذلك جهزنا الترجمة إلى اللغتين العربية والتركية”.
وأما الآلية العملية التي من الممكن من خلالها أن يتم العمل فهي التالي: “بإمكان أي مهندس أن يقوم بالكشف الأولي، ومن ثم تقييم المباني من الناحية الإنشائية، عندها ستصبح الداتا التي تمّ جمعها عبارة عن داتا مشتتة، فكل مهندس يكون قد اطلع على مجموعة من الأبنية المختلفة عن المهندس الآخر، وبالتالي في هذه الحالة من الصعب الاستفادة منها، لأن السلطات المسؤولة عن العملية النهائية تكون غير قادرة على الوصول إلى التقييم النهائي”.
وأضاف: “كحل لهذه المشكلة تم العمل على تطوير تطبيق ويب، بحيث يُنشئ المهندس حسابا على الموقع، وبعد أن يقوم المهندس بالكشف والتقييم، يدخل البيانات لديه من خلال استخدام “جي بي اس” وبهذا نبدأ بتشكيل خريطة إجمالية، وبالإمكان الدخول بأي وقت والتعديل على المعلومات المتعلقة بالمبنى أو المنشأة”.
ولفت إلى أنه وبعد فترة تتكامل هذه الخريطة، فيصبح هناك إمكانية لتوجيه الموارد نحو ما يراد العمل عليه طبقا للداتا التي توفرها الخرائط، فيتم تحديد أولويات المرحلة القادمة.
وأكد الدكتور أن الموضوع لا يهدف إلى أي منفعة شخصية، فالهدف وضعه في أيدي المختصين من أجل المنفعة العامة سواء من السلطات المحلية أو حتى النقابات.
على الرغم من الألم، قد يكون هذا الزلزال فرصة لتحسين الواقع الهندسي في سوريا، علميا ومهنيا، حتى وإن كانت الإمكانيات قليلة، إلا أنه لا حلول لدينا إلا أن نستثمر بالوجع لنخرج بالأفضل.