هاشتاغ-نضال الخضري
هناك ما يجعل الاكتئاب ظاهرة مكتوبة على الجبين، ففي قيظ النهار لا يمكن التفكير سوى بملامح الهروب من لحظات الحياة، أو بمحاولة جعل التفاصيل حبل مشنقة للأيام القادمة، فمن وحي دمشق يمكن أن نرسم خطوطا للوحة قاتمة تلخص ذكريات أي مواطن أراد النجاة من الحرب، لكنه استقر في سكون المدينة التي توحي بالصخب، فلا حركة السيارات ولا المقاهي المتخمة بزوارها قادرة على إزالة هذا “السكون” الذي يجعل “الاكتئاب” صورة يومية.
المشهد الدمشقي لا يلخصه جنون الأسعار أو عجز المواطنين عن النوم وهم مطمئنين ليوم قادم، ولا يرسمه أيضا الحر الذي يجعل من “حلم” الكهرباء خيالا يداعب ذاكرة بعيدة، فالصورة الوحيدة الباقية هي “اعتياد” العجز، والتفكير في الدوائر المغلقة التي تدور بها القرارات الحكومية، فأزمة السوري على امتداد جغرافيته القديمة هي كسر قدرته على الهروب من الحلول المعلبة، و “المشهد الدمشقي” المعمم على مساحة الوطن يبقى ضمن “بقعة” من السكون التي تنتظر معجزة على “المستوى الرسمي.
في الوطن المحاصر بتفكير ربما “يعشق” السكون سينهار جمال اللحظات، وسيصبح الضجيج الذي تصدره المدينة حالة غرابة ترحل سريعا لتترك الجميع في أماكن ثابتة، وضمن “فقر” التفكير بإنتاج تعجز “مصادر الفساد” على ملاحقته، فالبلاء الذي يحاصرنا هو “تضخم” العجز وليس الاقتصاد، والانهيار في ممكنات كسر التفكير القديم، فما اعتدناه من وفرة على امتداد نصف قرن استهلكته الحرب، وأشكال الوفرة الجديدة لا يمكنها كسر الزمن، فالأجيال التي تفرح بالدخول إلى الجامعة مازالت في مسارات الماضي، وألوان الحلم القديم بأسواق عمل كنستها الحرب، وربما نسفتها أنساق الحياة المعاصرة.
“السكون القاتل” و الإحباط والاكتئاب هي نتائج الحرب الحقيقية، وما نحتاجه يتجاوز “المصالحة الوطنية” لأنه إقرار بأن علينا اعتياد العمل من جديد بأشكال لا تعرفها أجيال ما قبل الحرب، وبأننا انتهينا من زمن الاتكاء على قدرة الدولة على فتح الفجوات الاقتصادية، والدخول في أزمنة أخرى يصبح فيها الإنتاج مسألة فردية، فمصدر “السكون” هو أوهام الماضي بأننا في بلد يملك من الثروة ما تكفيه، فنحن اليوم معنيون ببناء تلك الثروة التي استهلكتها الحرب.
أحلامنا التي ستكسر السكون تبدأ فقط بتسديد احتياجات البقاء، فعندما ندرك أننا في زمن انتهى فيه أي شكل بسيط للرفاهية؛ نبدأ في بناء مساحات قادمة، فهناك أجيال عليها تحمل الشظف قبل أن نخرج من هذا “السكون” الذي يجعل الإنتاج معجزة لا تتحقق إلا بقرارات رسمية، بينما تبدو الحلول الفردية أكثر مرونة في خلق بدايات جديدة، وفي ترميم الأحلام الممزقة على مساحة “التضخم” الذي يستهلك أرواحنا قبل أن يقضي على رواتبنا البائسة.
هناك “عبث مجتمعي” ينتظر الفرج القادم من الغيب، بينما علينا اعتياد لقمة العيش التي تأتي من جهد لم يكن مألوفا، ولم نكن نفكر لأطفالنا بأن يخوضوا هذه التجربة، وربما علينا اعتياد “حرب” جديدة ضد تفكيرنا القديم بأساليب الحياة.