مازن بلال
أعلنت وزارة الأوقاف السورية عن فتح باب الحج عبر منصة إلكترونية، وهذا الخبر الذي يبدو شأنا داخليا خاصا هو تذكير فقط بأن العلاقة مع المملكة السعودية عادت لمسارها العادي بعد 12 عاما من القطيعة، ولكنه من جانب آخر يفتح الهم السوري عبر فريضة مطلوبة ممن استطاع إليها سبيلا، فهل يملك السوريون تلك الاستطاعة؟
المسألة لا ترتبط بتأكيد عدد السوريين تحت خط الفقر، فالتقارير الدولية تحدثت بإسهاب عن هذا الموضوع، لكن الأمر الهام هو عدد الأزمات التي جعلت الملف السوري خارج إطار الاهتمام الدولي، فحتى الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية لم تعد تحرك ملف الأزمة، فهناك مخاطر أخرى تلف المنطقة من غزة إلى السودان وغيرها من المناطق التي باتت تطفو على سطح المسائل الدولية.
عمليا فإن الإعلان عن الحج يقع في مساحة رمادية من واقع العلاقات السورية مع محيطها، فعندما استعادت دمشق مقعدها من الجامعة العربية فإنها دخلت من جديد ضمن “المنظومة العربية”، وباتت الأزمة السورية جزءا من مساحة الاهتمام العربي الذي نسي سريعا كل سنوات الحرب، وانشغلت منظومته بالأداء الروتيني للعلاقات العربية – العربية قبل أن تأتي الحرب في غزة لتجعل من النظام العربي مساحة فراغ سياسي.
بالتأكيد لم تكن هناك أحلام وردية على عودة سورية للجامعة العربية، فالأزمة السورية هي مسألة مواجهة لمأزق سياسي ضمن النظام الدولي، حيث تبدو عناصرها مفقودة بينما يبقى القرار الأممي 2254 صورة باهتة تؤكد أن مسار الأزمة أطول مما نتوقع، وأن الخروج من الحدث السوري هو نقلة استراتيجية ليس فقط على مستوى الإقليم، بل أيضا ضمن تفكير السوريين وفي طرق بحثهم عن تصور خاص لهمومهم ولبلدهم.
أصبحت الأزمة السورية اليوم برسم المجتمع السوري وليس النخب السياسية، فبعد أعوام الحرب هناك مسار مازال مفقودا في الخروج من الأزمة، ورغم أن سورية أصبحت نقطة توازن إقليمي بين مختلف الأطراف لكنها في نفس الوقت مساحة مفتوحة الاحتمالات لأن كافة عناصرها مفقودة، فالصراع لم يأخذ أي بعد واضح على المستوى السياسي العام على الأقل، وكل التفاصيل التي ظهرت كانت مجرد عناوين لجعل الأزمة جزءا من الاهتمام الدولي، بينما كان الصراع على أرضها جزء فقط من مساحة أوسع من تضارب المفاهيم على مستوى النظام العالمي.
مسألة فتح باب الحج هي حالة فرعية ربما لا ترتبط بكل تفاصيل السياسة، لكنها تؤكد أن حلول الأزمة لن تكون على مستوى التفكير القديم بالعلاقات السورية – العربية، وأن الخروج نحو المستقبل ربما يبدأ من التفكير بتدعيم المساحات السورية المتاحة بدلا من انتظار الزمن الذي لن يعيد لنا سورية بصورتها في مخيلة النخب الثقافية أو السياسية، فهناك رؤية أخرى تنتظر حالة تفكير جديدة تقتنع بأن الحلول الدولية أو العربية غير ممكنة، وأن المجتمع السوري هو وحده من يستطيع ابتكار مسار لإنهاء الأزمة.