أكمل الزلزال المدمّر الذي ضرب كل من سوريا وتركيا شهره الأول، مخلفاً وراءه نتائج كارثية بالجملة على جميع الأصعدة، قد يستمر بعضها لسنواتٍ عدة وفقا لاختصاصيين نفسيين.
آثار الزلزال لم تقتصر فقط على الموت والدمار والتهجير، بل تعدت ذلك لتصل إلى مضاعفاتٍ نفسية أرهقت حتى من لم يشعر بالقوة الحقيقية للكارثة.
صراخ الأرض، وغضب الطبيعة، وصدمة العمر، بهذه الكلمات عبّر بعضٌ ممن عاشوا اللحظات الأولى للزلزال عمّا انتابهم من أحاسيس، ما تزال مستقرة في عقولهم.
اضطراباتٌ مختلفة تشكّلت عند الكثير من أولئك الأشخاص، أفضت إلى مرحلةٍ امتلأت فيها العيادات النفسية والصيدليات بالمئات ممن يعانون صعوباتٍ في النوم وأرقٍ متواصل.
نهاية الحياة!
الصيدلانية ميادة. ب من ريف محافظة حمص، كشفت لـ “هاشتاغ” عن زيادة كبيرة بعدد الأشخاص الذين يراجعون الصيدلية، مشتكين من أعراض الخوف والرهاب.
وذكرت أن بعض تلك الحالات تشتكي ضيق التنفّس، وأن منها من وصل مرحلةً يحتاج بها لطبيبٍ نفسي، كونه أصبح يرى الوضع مثل “نهاية الحياة”.
وأفادت الصيدلانية بوجود حالات اضطرابٍ متعددة خلقتها أزمة الزلزال عند بعض الناس، آخرها كانت لمريضة تعاني من قلقٍ حاد تسبب لها بانفجار أحد الشرايين العينية.
اللبنانيون أيضا..
بدوره، أشار زين قموحي، الصيدلاني المقيم في ريف حمص الغربي، إلى أنه لاحظ أن التأثيرات النفسية للزلزال بدت واضحة على اللبنانيين، ربما أكثر من السوريين.
وأوضح زين أن العديد من اللبنانيين الذين يراجعون صيدليته، كونها قريبة من الحدود اللبنانية، يشتكون من صعوباتٍ بالغة في النوم، أكثر مما لاحظه عند أبناء منطقته.
وذكر زين أن هذه الفئة باتت أكثر إقبالاً على الأدوية المهدّئة والمحرضة للنوم، عازياً ذلك للهاجس الذي بات ينتاب هؤلاء، رغم بعدهم عن مركز الزلزال.
حالاتٌ فائقة الصعوبة
من جهته، يرى عدي ابراهيم، أحد الصيادلة في العاصمة السورية دمشق، أن الزلزال تسبب بحالاتٍ نفسية فائقة الصعوبة، أدت لإقبالٍ ملحوظ على الأدوية المحرضة للنوم.
وأشار عدي في حديثه لـ “هاشتاغ” إلى أن نسبة الإقبال على تلك الأنواع من الأدوية ازداد بشكلٍ كبير، وخصوصاً المتعلق منها بالأرق وصعوبة النوم.
وذكر عدي أن أغلب تلك الحالات تأتي دون وصفاتٍ طبية، مشيراً إلى أن أكثر الأدوية التي يتم إعطائها وفقاً لذلك هي “Sleep Fast” وبدائله.
مرحلة إدمان
حسين عبود، أحد الذين تأثروا نفسياً بشكلٍ كبير بكارثة الزلزال، كشف لـ “هاشتاغ” عن أنه لم يستطع النوم بشكلٍ كافٍ منذ 6 شباط/فبراير الماضي.
وأوضح حسين الذي يعيش مع عائلته في ريف دمشق، أنه اضطر إلى مراجعة أخصائيٍّ نفسي عدة مرات لمساعدته على التخلّص من حالته تلك.
وبيّن حسين أنه أصبح يستعين بالأدوية المنظّمة للنوم، والتي باتت ترافقه بشكلٍ يومي، حتى وصل به الحال إلى مرحلة الإدمان، التي من الصعب التخلّص منها.
اضطراب الصدمة الحاد..
الأختصاصي في الطب النفسي، الدكتور وليد شدود، أوضح في حديثه لـ “هاشتاغ” أن الحالات المتعلقة بصعوبات النوم والقلق، ترتبط بما يُعرف بـ “اضطراب الصدمة الحاد”، والذي يحصل في حالة الكوارث بمرحلتها الأولى.
وأشار شدود إلى أن أعراض هذا الاضطراب تتمثّل بالتشتت الذهني، والأفكار الوسواسية والانعزالية، ونوبات الهلع والاكتئاب، مبيناً أنها تظهر حتى بعد مرور نحو أربعة أسابيع على الصدمة.
ولفت شدود إلى أنه في حال الإصابة بهذا الاضطراب، يصبح لدى أغلب الأشخاص مشاكل طويلة الأمد يصعب علاجها، الأمر الذي يدفع البعض إلى استراتيجيات معينة كالحبوب المنومة أو المهد.ئات، دون استشارة طبيب أو معالج نفسي.
وأفاد شدود بأن العديد من الأشخاص يدخلون بمرحلة التفكير المفرط، والحرص الزائد، وضعف التركيز، والأرق، والخوف على الحياة، إضافةً للتأثر بالموجة الاجتماعية العامة أو ما يُعرف بـ “الخوف الجمعي”، والذي يمكن حدوثه في الأمكنة البعيدة عن بؤر الكارثة.
وأكد شدود أن كل الأدوية التي توصف عادةً من قبل الأطباء النفسيين، والتي تؤثّر على الجملة العصبية للإنسان ولها دور بتغيير البنية البيوكيميائية للدماغ، يجب أن تؤخذ حصراً باستشارة طبيب مختص، وليس بشكل عشوائي مثلما يتم ملاحظته في بعض الصيدليات.