هاشتاغ_مازن بلال
حسب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن، فإن عقد الجولة التاسعة من جلسات اللجنة الدستورية السورية في نهاية تموز أصبح أمرا غير ممكن، وهذا الأمر ليس مفاجئا لأن موسكو أعلنت في وقت سابق أن ضرورة تغيير مكان انعقاد اللجنة بسبب تعرض دبلوماسييها لمضايقات، وتبقى المسألة المثيرة للاهتمام هي حجم التصريحات التي ظهرت بعد تأجيل الجلسة الحالية، حيث وصلت إلى اتهام روسيا من أحد أطراف المعارضة بأن مسألة اللجنة الدستورية هي سياسة روسية للالتفاف على الحل الأممي في سورية.
بالتأكيد فإن الآمال على اللجنة الدستورية كانت شبه معدومة نظرا لطبيعة الأزمة السورية، فالمسألة الدستورية تختلف تصوراتها بين الأطراف، وإذا كان وفد “الداخل السوري” يرى فيها محاولة لتعديل مسار الأزمة بحيث تتجه نحو بعض الإصلاحات الدستورية، فإن طرف المعارضة ينظر إليها كبوابة لتحويل السلطة السياسية عبر إحداث تغيير جذري في بنية الدستور وفي نفوذ الحكومة على الوضع السياسي القائم، بينما يتأرجح وفد المجتمع المدني بين توسيع المشاركة السياسية أو إيحاد توافقات هامشية.
لكن المسألة على مستوى اللجنة الدستورية لا ترتبط بفعاليتها إنما بكونها ساحة توازنات إقليمية ودولية، فهي “عقدة التقاء” يمكن عبرها تسهيل الإجراءات المختلفة المرتبطة بالأزمة، وعلى الأخص تخفيض التصعيد السياسي، والحد من المواقف بين الأطراف الإقليمية المرتبطة بالأزمة السورية مثل تركيا على سبيل المثال، ويبقى السؤال المفتوح هو عن نظرة الأطراف الدولية التي لعبت أدوارا قوية في الأزمة من هذه الآلية الهشة للجنة الدستورية: فهل يملك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نفس التصور لهذه اللجنة؟
يمكننا العودة إلى مسار جنيف لاستقراء المواقف المختلفة من الأزمة السورية، فالحدة التي اتسمت بها بعض الأطراف الدولية والعربية انتهت إلى شكل صريح وواضح في تحييد سوريا عن الفعل السياسي الإقليمي، فالمطالب الخاصة بالسلطة ومواقف الحكومة السورية غابت خلف ستار من العقوبات ومن جعل الأزمة السورية غاية بذاتها، وحين ظهرت اللجنة الدستورية بعد انهيارات المجموعات العسكرية فإنها مثلت بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مساحة منح الشرعية لأي حل سياسي، فاللجنة لا تمثل فقط قرارات الأمم المتحدة بل تمنع أي توافقات يمكن أن تظهر خارجها لأنها مكان التوافق الوحيد.
اللجنة اليوم تدخل مرحلة من التغييب، فالعالم ينتظر التوازنات الجديدة وبناء عليها يمكن أن ترى اللجنة أفقا مختلفا، أو تصبح منطقة نزاع بعد أن كانت “ساحة” لفهم التوازنات بشأن الأزمة السورية، ومن المستبعد على الأخص بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ظهور توازنات إقليمية جديدة أو أحلاف، لأن الإدارة الأمريكية لا تسعى لمثل هذا الأمر بل إلى كسر الخوف من حرية العلاقات في الشرق الأوسط عموما، ففتح الأجواء السعودية أمام الحركة الجوية دون أي خطوط حمر يشكل بذاته بوابة لحرية العلاقات، وهذا الموضوع بالذات سيغير من طبيعة المنطقة عموما ضمن عمليات الاندماج الاقتصادي لـ”إسرائيل” على وجه الخصوص.
التحولات الإقليمية غير مألوفة بينما اللجنة الدستورية هي صداع للسوريين مهما كانت توجهاتهم، لأنها تحد تفكيرهم بحلول الأزمة خارج التوازنات الدولية، وتجعل شرعية توافقهم رهنا بآليات لن تخدم أي طرف سوري.