Site icon هاشتاغ

في حربنا ضد القلق

في حربنا ضد القلق

في حربنا ضد القلق

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري

كل التصرفات “الإسرائيلية” هي مساحة قلق، فعلى مدى عام كانت الحرب تقدم صورة همجية غير مسموح باستخدامها إلا لـ”إسرائيل”، وفي المقابل فإن المعارك خلال أسابيع اتخذت شكلا يطرح ظاهرة مختلفة تشبه حروب عصابات المافيا الأمريكية، فكل أشكال القتال اتخذت بعدا شخصيا لحكومة نيتنياهو، وبدت الاغتيالات وكأنها المعبر الوحيد لخلق فارق داخل صراع يراقبه الجميع ويمتنع عن التدخل لإيقافه.

زادت الاغتيالات من حجم القلق، فهي تجاوزت الحدود المعروفة سابقا كلها بعد أن طالت أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، واخترقت الجغرافيا الحاصة بالحرب في لبنان، وظهرت بصفة ملاحقات انتقامية لكل من يرتبط ولو بعلاقة عائلية مع أركان تحالف المقاومة، وبدت “كربلاء” القرن الجديد نموذجا يحرك التفكير “الإسرائيلي”، أو ربما يجعل من الحرب صورة نمطية لتاريخ بعيد، لكنها في  الوقت نفسه كسرت جمودا خاصا بالصراع، وأظهرت لأجيال لم تعاصر الحروب العربية – الإسرائيلية مشاهد لمعركة تتجاوز القلق، وتعبر بالزمن بعيدا عن كل المعارك الداخلية.

تكرر “إسرائيل” مقولة تبديل صورة “الشرق الأوسط”، وتتصرف وكأنها تحارب “عصابة” وليس ثقافة، وتريد إقناع الجميع بأن “العقاب” سيطال كل من يريد اتخاذ قرار بعيد عن سياساتها، فالاغتيالات هي أكثر من إزاحة أشخاص عن المشهد الخاص بالحرب، لأنها تريد للمنطقة أن تبقى بلا رموز، وبلا إيقاع سياسي خاص، وهذا الأمر لم يبدأ بحرب غزة إنما منذ اللحظات الأولى لما سمي بالربيع العربي؛ عندما ظهرت أسماء تراثية على مساحة هذا “الربيع”، وتم فيه اختراق كل رموز الدول السيادية ابتداء من العلم الخاص بالدول وانتهاء بالمفاهيم الخاصة بالسيادة الوطنية.

تريد “إسرائيل” استكمال نواقص “الربيع العربي”، فهي لم تعد ترى في التطبيع غاية، ولا في إنهاء الصراع هدفا، بل ربما بخلاف ذلك، فالحرب باتت غاية بحد ذاتها لإعادة رسم كل التصورات التي نشأت في مساحة الصراع منذ عام 1948، فباعتماد الاغتيالات تريد الإيحاء بأن الحرب منذ بدايتها كانت ضد مجموعة “أشرار” يمكن بتحييدهم إنهاء الأزمات كافة، وهذه ليست سياسة جديدة لكنها اليوم باتت استراتيجية “إسرائيلية” بامتياز.

الاغتيالات هي اختراق للمعنويات فقط، فالحرب مع “إسرائيل” في النهاية هي مسألة لا يمكن أن تدفن تحت أنقاض المباني في غزة وبيروت، ولا يمكن أن تقف عند حدود تحطيم الرموز، فهناك مسار طويل حمل معه صورا عابرة للزمن، وهناك أجيال تتجدد تصوراتها عن هذا الصراع نتيجة ما تفعله “إسرائيل”، ومهما كانت نخبنا “الخائبة” تروج لمسارات جديدة فإن الدرس التاريخي لا يمكن محيه بتنظيرات سريعة.

ربما أصبح الحمل ثقيلا علينا نتيجة الحرب الحالية، لكنه يوضح أن الجرأة في مقارعة “إسرائيل” لا يمكن وقفها بالعنف والهمجية، وعلى الرغم من أننا خاسرون بشريا نتيجة الضحايا مقارنة بما أصاب “إسرائيل”، فإن التحدي هو في إنتاج صراع آخر يكسر ثقافة الموت التي تطرحها “إسرائيل” وكأنها قدر محتوم، فنموذجها في الرعب هو قلق فقط نستطيع بتفكير جديد كسره لصالح ثقافة الحياة.

Exit mobile version