هاشتاغ_رأي مازن بلال
يعطي إعفاء مناطق سيطرة “قسد” من العقوبات الأمريكية شرعية للعمليات التجارية التي تجري بالفعل، فالنفط السوري يتم بيعه قبل هذا الإعفاء والغلة الغذائية للجزيرة السورية لا تصل عمليا إلى داخل العملية الاقتصادية في سورية، إلا أن “المسألة الاقتصادية” هي أكثر العوامل هشاشة في القرار الأمريكي، فـ”الجزيرة السورية” بالنسبة للولايات المتحدة ليست مكانا اقتصاديا مغريا قياسا لمناطق أخرى في العالم، وفي نفس الوقت فهي جغرافية “شبه محاصرة” مما يجعل الحركة التجارية ضمن حدودها لن ترضي الكثير من المستثمرين.
بالتأكيد فإن مناطق “سيطرة قسد” ستشعر بمزيد من القوة مع تكريس شرعيتها أمريكيا، فهي ضمن الرؤية الأمريكية أصبحت خارج إطار الدولة السورية والعقوبات المفروضة عليها، فالمسألة السياسية تشكل أولوية بالنسبة للقرار الأمريكي على أي تفكير اقتصادي، والسؤال المفتوح في سياسة العقوبات الأمريكية هو عن “فاعلية” خروج منطقة الجزيرة عن الإطار السيادي لسورية، فالإجراء الأمريكي يأتي متأخرا في ظل عاملين:
الأول مرتبط بمجريات الحرب في أوكرانيا وما خلفته على صعيد السياسة الدولية، فتكريس قدرة “قسد” في هذه الظروف لم يعد يملك نفس الفاعلية في ظل تأرجح الشرعية الدولية، وتفاقم الأزمة بين موسكو وواشنطن حيث سيبقى قرار واشنطن ضمن الأزمة الدولية تكريس نفوذ أمريكي محدود، وليس بالضرورة دفع لقوات “قسد” كي تحتل أبعاد جديدة داخل الأزمة السورية.
العامل الثاني مرتبط مع رغبة تركيا في إعادة توطين عدد كبير من اللاجئين السوريين في الشريط الحدودي الملاصق لسيطرة “قسد”، وهو مؤشر على تماس يمكن أن يصبح عنيفا ويلغي عمليا قدرة “قسد” على التحرك بشكل مريح في مناطق نفوذها، فالخطة التركية هي انقلاب ديموغرافي على إمكانية العودة للوراء وإعادة ربط المناطق التي تعتبرها “قسد” جزءا من الإدارة الخاصة بها، فهناك بالفعل “هجوم ديمغرافي” إن صح التعبير تسعى تركيا لتحقيقه في مواجهة طموحات يمكن أن تتصاعد عبر الاستثناء الأمريكي للجزيرة السورية من العقوبات.
عمليا فإن واشنطن تريد وسط الاضطراب الدولي تثبيت مناطق التوتر في الشمال السوري، فالمسألة بالنسبة لها لا تحمل أبعادا أكثر من إتاحة الفرصة لـ”قسد” كي تبني اقتصادا محليا، وهي تدرك في نفس الوقت أن التنافس الاستثماري الحقيقي في الجزيرة لن يكون إلا إقليميا، فمن المستبعد وسط الأزمة الاقتصادية العالمية ظهور استثمارات ولو متوسطة من قبل أوروبا على سبيل المثال، فالقرار الأمريكي هو “تسهيل” لظهور رأسمال خاص بالجزيرة السورية فقط وتحديدا ضمن الأكراد عبر قدرتهم على التجارة ولو في حدودها الدنيا.
تقوم الولايات المتحدة بـ”ترحيل” أزمة الشمال الشرقي لسورية باتجاه مختلف، فالقرار الأمريكي سيدفع عبر الزمن لتطوين “المصالح” و “الأزمات” في نفس الوقت، لأن ظهور “رأسمال كردي” سيصطدم حكما بالمكون العربي، وهو ما نلمسه اليوم في مناطق شمال شرق دير الزور، فتطوير المصالح “الكردية” في ظل الصراع الحالي يشكل تحديا لباقي المكونات وحتى لمناطق النفوذ التركي، وسيخلق صعوبات أمام تركيا في تطوير مناطق نفوذها ونقل المزيد من اللاجئين إليها.