Site icon هاشتاغ

قلق اللجوء..

نضال الخضري

قلق اللجوء..

هاشتاغ-نضال الخضري

يستعيد اللجوء موقعه على مساحة المحيط السوري فقط، فهناك إعلام يتحدث اليوم عن خطر هذه الظاهرة بعد أحداث السويداء، ويبحث البعض في التفاصيل التي ترسم خارطة قلق جديدة تبدو وكأنها لوحة سوريالية لمشهد سوري يتجدد في كل لحظة، لكن هذا “اللجوء” له تصورات أخرى داخل مجتمع أدمن النظر إلى خارج الحدود، ويبحث في أفق آخر لا يحمل معه مخاطر التضخم، فالهجرة أو النزوح تأخذ لونا آخر غير القلق السياسي الذي يحاول لفت النظر لحالة ربما لم يعد العالم يريد رؤيتها.

قبل سنوات كانت “تراجيديا” اللجوء هي الرديف للعجز عن إيجاد حل سياسي، وكانت أيضا ظاهرة لا علاقة لها بالوضع الإنساني لأنها مجرد تحفيز سياسي فقط، بينما تبدو اليوم في صورتين: الأولى تقدمها التصريحات السياسي القادمة من لبنان والأردن وتركيا، وهي تعابير قاتمة عن واقع شاذ يتم استخدامه للبحث عن أدوار سياسية، بينما الصورة الثانية تطرحها محطات البث الأجنبية في برامجها باللغة العربية، وتبدو كسردية اجتماعية لنجاحات فردية أو لتجارب قاسية خاضها بعض اللاجئين.

أقرأ المزيد: مفارقات الزمن المختلف

ما هو مفقود في كل قضية اللجوء رواية السوري الذي وجد نفسه بشكل مفاجئ ضمن خيارات ضيقة، فهو مهما حاول التحرك سيكون إما “لاجىء” أو محكوم بحصار اجتماعي، فالحرب أعادت رسم صورته أو حتى وضعته ضمن تصنيف خاص، فهو مواطن ينتظر “اللجوء”، وفي كل المعابر الحدودية عليه مواجهة الآخرين الذين ينظرون إليه كـ”مشروع لاجئ”، وتبقى الصور التي رافقت مفاصل الأزمة السورية في المعابر الحدودية جزءا من ذاكرة قاتمة لا تظهر في القلق الدولي من هذه القضية.

نحن في حرب من نوع مختلف لا تحتاج لرفع البنادق إنما لتكوين صورتنا كمجتمع شاذ في بقعة جغرافية لا يريد أحد رؤيتها، فالمسألة لم تكن تحتاج فقط لإغلاق السفارات كي يصبح “اللجوء” مرادفا للحياة، بل أيضا إلى خلق صورة نمطية للسوري الذي ينتظر التشرد فيصبح سردية في الإعلام الغربي، أو مدانا بـ”جنحة اللجوء” في مساحة الجوار السوري، وضمن صورتين تتشكل ثقافة البحث عن المستقبل الذي لم يعد يرى الحرب أو الأمن، وباتت التفاصيل التي تحيطنا جزءا من سيناريو غامض يلفنا حتى ولو كان قرارنا قطعيا بالبقاء في سوريا.

أقرأ المزيد: ارتباك وصورة لسوريا

علينا افتراض أن الزمن الحالي هو مرحلة لرسم أنفسنا عبر “مسار اللجوء”، فهناك سوري لا يملك أي هوية سوى خطورة تحوله إلى “لاجئ”، أو احتمال إدانته بتهم مشاركته بالحرب في المحاكم الأوروبية، بينما تسقط كل الأشكال المختلفة لجمالية الإنسان أمام تلك الاحتمالات القاسية، فالأجيال التي تظهر اليوم ترسم صورتها على أشلاء حرب فرضت “حلما” ثقيلا لبلاد مفقودة ولآمال لا يمكن تحقيقها لأن “اللجوء” هو الصورة الأولى لأي سوري يحاول التفكير بالتحرك ضمن مساحة الحصار المفروضة عليه، وربما علينا إعادة رسم هذه المسألة بشكل مختلف لأنها في النهاية تحاول رسمنا كمجتمع لا يملك سوى رغبة الهروب وتقمص الرعب وهو يعبر حدود بلاده.

 

Exit mobile version