هاشتاغ _ مازن بلال
يصعب بحث مسألة الطاقة في سوريا ضمن عامل سياسي فقط، فإذا كانت بداية هذه الأزمة مرتبطة مع الاضطرابات عام 2011 لكنها خلال سنوات الحرب اتخذت مسارات مختلفة؛ وبالتأكيد فإن الحصار الاقتصادي واستهداف منشآت الطاقة كان له دور في هذا الأمر، وفي نفس الوقت فإن طول الأزمة السورية عمل على “توطين” مشاكل الطاقة التي أصبحت خارج حدود الإجراءات العادية.
عمليا فإن أي أزمة تخلق واقعا لا يمكن النظر إليه وفق الحالة التي كانت في فترة الاستقرار، وهذا ما يحدث حاليا عند تناول مسائل الطاقة في سورية، حيث يتم إسناد الحلول إلى قدرة الدولة على بسط سيطرتها على الجغرافية الأكثر غنى بالنفط والغار، ورغم أن هذا الأمر ضرورة في ظل الواقع السورية إلا أن مسائل الطاقة اليوم أكثر عمقا في ظل أمرين أساسيين:
– الأول أن الواقع السوري يحتاج إلى مزيد من الطاقة لتعويض عمليات الإنتاج المتوقفة، هذا إذا افترضنا أن الاحتياطي من النفط والغاز مازال كافيا لتلبية الاحتياجات العامة، فالوضع السوري لا يمكن ربطه مع وصول شحنة جديدة من النفط أو الغاز قادمة من إيران، أو من أي مكان آخر لأن المسألة باتت مرهونة برسم استراتيجيات للطاقة مختلفة كليا عن أشكال الربط بين الحدث السياسي والاحتياج النفطي.
تقدم إيران مساعدات لا يمكن تجاهلها، لكن الإعلام يسعى لربط حدث سياسي مثل زيارة وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، ومباحثاته في سوريا، وهذا الأمر صورة للسياسات العامة التي تضع قاعدة للتحالفات السياسية، بينما نحتاج في المقابل إلى تجاوز تلك المساحات للبحث في عمق مسائل الطاقة في سوريا.
– الأمر الثاني مرتبط بموقع سورية كـ”عقدة طاقة” في المنطقة، وهو الأمر الذي أدى وفق بعض المعطيات إلى نشوب الأزمة الحالية بسبب خطوط الغاز من قطر وإيران، وبغض النظر عن ربط هذا الأمر بالصراع في سوريا، لكننا اليوم أمام حالة مختلفة دخلت فيها إمدادات الطاقة ضمن ترتيبات جديدة مختلفة عن السابق.
آخر حدث مرتبط بإمدادات الغاز والكهرباء ظهر في لبنان، وهي توضح أن هذا المسألة باتت ضمن شبكة متداخلة ترتبط حتى بحقول الغاز في البحر المتوسط، فأهمية سوريا كـ”عقدة طاقة” ظهرت في عمليات الإمداد باتجاه أوروبا التي باتت تتعامل اليوم مع خارطة جديدة لهذه المسألة، خصوصا بعد الحرب الأوكرانية ومقاطعة الغرب لروسيا.
نحن أمام واقع يحتاج أكثر من مسألة الحديث عن تحسن أو تراجع في مسألة الكهرباء أو حتى عن الطاقة البديلة، فهناك مرحلة مختلفة نحتاج فيها إلى تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك لتحقيق الاستقرار بين الاحتياجات والممكنات وربما إحداث تحول في استهلاك الطاقة من خلال تغييرات في أمور كثيرة مثل النقل على سبيل المثال.
السياسات العامة في سوريا تركز على جهود ترميم أزمة الوقود عموما، وهذا الموضوع يتم ربطه بالكثير من العوامل في وقت نحتاج إلى رؤية مختلفة تأخذ بعين الاعتبار أننا أمام أزمة طاقة “مستوطنة” على الأقل في المرحلة الحالية؛ رغم السعي لتحقيق تلبية لاحتياجات الإنتاج أو الحياة عموما عبر الإمدادات التي تكسر آليات الحصار.