هاشتاغ – ناديا مبروك (القاهرة)
خلال ساعات عمله كسائق مركبة “توكتوك” لم يجد أحمد شحاتة سوى أغاني المهرجانات رفيقاً لرحلته على الطرقات، قبل أن يفكر “لماذا لا أجرب حظي في المهرجانات؟”، فمن نفس الحي الذي يسكن فيه انطلق العديد من مغنيي المهرجانات الذين حققوا نجاحا كبيرا، وجمعوا أموال طائلة أيضا.
يقول أحمد ” لم أكن راضيا عن حياتي، لم أستطيع الالتحاق بالثانوية العامة، وأنتظر الحصول على مؤهل متوسط، ولا أجد وسيلة لكسب المال سوى العمل على مركبة “توكتوك” وليلاً أشارك مع أصدقائي الذين يمتلكون معدات “دي جي” في الأفراح الشعبية، فكانت المهرجانات فرصة يمكن أن تحقق لي النجاح الذي لم أحققه”
لم يتكلف أحمد الكثير، فقط قام بتغيير اسمه على “فيس بوك” إلى “مزيكا”، وكتب في الوظيفة “مايك مان مهرجانات”، وبدأ مع أصدقائه في رحلة البحث عن كلمات، كان في تلك الفترة يسيطر على الساحة مهرجان “العلبة الذهبية”.
لم ينشر أحمد أي كليبات للمهرجانات التي أداها، لكنه قدم أداءً لعدة أغاني في الأفراح الشعبية في منطقته، قبل أن يقرر أنه اكتفى من هذه المحاولة، وأنه لن يحقق النجاح الذي حققه من سبقوه، فقرر ترك المهرجانات، وحلم النجاح والثراء السريع.
بداية المهرجانات
في حي دار السلام؛ أحد أحياء القاهرة الفقيرة، عام 2007 دشن الشاب عمرو حاحا مرحلة جديدة في تاريخ الموسيقى الشعبية المصرية، بعد تلحينه لأول أغنية مهرجانات عرفت باسم “مهرجان السلام”، ليغنيها مع صديقيه “فيفتي” و”السادات” في الأفراح الشعبية في المنطقة.
كما قام بتحميلها على موقع “يوتيوب”، اعتمدت الأغنية في الأساس على الإيقاع الصاخب الذي يسهل الرقص عليه، وهو ما جعلها تحظى بإقبال شديد، تحول بعدها الثلاثة لأحد أبرز نجوم هذا الفن، ونجوم لطبقتهم الاجتماعية التي خرجوا منها.
وبالرغم من ظهور العديد من فرق المهرجانات خلال السنوات الخمس التي تلت انطلاق الأغنية الأولى، إلا أنها ظلت حبيسة المناطق الفقيرة، وأفراحها، وكذلك موقع اليوتيوب، قبل أن يستعين المنتج أحمد السرساوي بهذه الأغاني في فيلمه “الألماني” للممثل محمد رمضان عام 2012، ويظهر نجوم المهرجانات مثل “فيفتي” و “شحتة كاريكا” في الفيلم، ويصبح مطربو المهرجانات بين يوم وليلة نجوم على شاشات السينما، وتستعين بهم عائلة السبكي في العديد من الأفلام.
نجاح نجوم المهرجانات دفع غيرهم من أبناء الأحياء الشعبية، للانطلاق لهذا العالم في محاولة للحصول على فرصة النجاح والشهرة والثراء، مثل فرقة “أولاد سليم اللبنانيين” الذي انطلق مهرجانهم من حي شبرا الخيمة، وحقق نجاحا هائلا، حيث حصد حتى اليوم ما يزيد عن 135 مليون مشاهدة.
من المنع إلى الرقابة
في فبراير/ شباط 2020، سجلت أغنية “بنت الجيران” وهي أغنية من فن المهرجانات رقماً قياسياً، حيث حصدت المركز الثاني ضمن قائمة بحث موقع “sound cloud” للموسيقى، كما وصلت لـ 100 مليون مشاهدة على موقع “youtube”، وفي نفس الشهر اتخذت نقابة الموسيقيين بقيادة النقيب السابق هاني شاكر قرارا بحظر التعامل مع مطربي المهرجانات.
اندلعت الأزمة بسبب كلمة “خمور وحشيش” التي وردت في الأغنية، لاسيما بعد غنائها في حفل “عيد الحب” الذي أقيم في استاد القاهرة، وصرح حينها هاني شاكر بأن أي كيان سيتعامل مع هذه الفئة بالمخالفة لقرار النقابة سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضده، بما في ذلك إصدار قرار بعدم التعامل مع المنشأة المخالفة للقرار، واصفاً قراره بأنه لا رجعة فيه.
ورغم حظر التعامل مع مؤدّي المهرجانات، إلا أنهم استمروا في العمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والحفلات خارج مصر، حتى نوفمبر / تشرين الثاني 2021، حيث منع نقيب الموسيقيين 19 مؤدي مهرجانات، وهو القرار الذي لاقى هجوماً كبير من محبي فن المهرجانات ومؤديها.
وفي يناير/ كانون الثاني 2022، وافق شاكر على عودة مؤدّي المهرجانات مرة أخرى للغناء بعدة شروط، منها “تغيير الأسماء الغريبة التي اشتهر بها عدد من المؤديين، وكذلك الالتزام بالقيم والأخلاق والامتناع عن غناء الكلمات البذيئة”، إلا أن أزمة المهرجانات عادت مرة أخرى مع ما يعرف بأزمة “غناء الفلاشة” وهي أن يقوم المغني بتحريك الشفاه فقط، على أن يتم تشغيل الأغنية من ملف صوتي على الكمبيوتر، وهي ما تسببت في أزمة مع المطرب حسن شاكوش.
وفي يوليو/ تموز 2022، تقدم النقيب هاني شاكر باستقالته بسبب اشتباك وقع أثناء مؤتمر صحفي لاعتذار المطرب حسن شاكوش لعازف الإيقاع سعيد أرتيست بعد مشاجرة بينهما وقعت على المسرح، وكان تسبب منح شاكوش عضوية نقابة الموسيقيين في وقوع اشتباكات خلال المؤتمر.
وخلال الشهر الحالي، انتخب مصطفى كامل نقيباً للموسيقيين، وبالرغم من تصريحاته ضد المهرجانات إلا أنه أصدر عدة قرارات اعتبرها مؤديي المهرجانات انفراجة في أزمتهم، حيث أعلن في مؤتمر صحفي حضره العديد من مؤديي المهرجانات تغيير مسمي شعبة المهرجانات لـ شعبة مؤدي صوتي، كما اشترط أن تخضع كلمات أغانيهم للرقابة وألا يكون فيها اي لفظ خادش، ومنع غناء “الفلاشة” على أن يكون برفقة أي مؤدي صوتي فرقة موسيقية مكونة من 12 عضو عامل، على أن تمنح النقابة تصاريح مؤقتة للعمل مدتها 3 أشهر، وفي حال التزام المؤدي بالشروط يمنح تصريح لمدة سنة.
إعلانات على “التواصل الاجتماعي”
عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” نشر أحمد كاريكا رقم هاتفه مع إعلان عن تسجيل المهرجانات، وتشمل الخدمة الكلمات والتلحين والتوزيع ورفعها على مواقع وتطبيقات الموسيقى المختلفة، بالإضافة إلى فيديو لـ اليوتيوب.
وأحمد كاريكا هو مؤلف لأغاني المهرجانات، بالإضافة لكونه مؤدي صوتي أيضا، ووسيط لاستديوهات التسجيل التي تتيح للمبتدئين تنفيذ المهرجان الخاص بهم.
يقول كاريكا لهاشتاغ: “أنا لست صاحب استديو، لكني متفق مع أحد الاستديوهات لتقديم كلمات للمهرجانات، لذلك أنشر إعلانات الاستديو”.
ويضيف “أغلب من يتابعوا هذه الإعلانات هم المبتدئين، وليس هدف الجميع فيهم الثراء وإنما مجرد تسجيل مهرجان يتفاخر به أمام أصحابه، وقد يحالفه الحظ ويصبح نجماً بعدها، مشيراً إلى أن تكلفة صناعة المهرجان لا تزيد عن 1000 جنيه في الأغلب، قد تزيد في بعض الاستديوهات إلى 2000 جنيه، وهذه التكلفة تشمل كافة بنود صناعة المهرجان بداية من الكلمات وحتى الإنتاج النهائي، مشيراً إلى أن تكلفة صناعة المهرجان بسيطة للغاية، فلا تحتاج لآلات معقدة، وإنما جهاز بسيط أشبه بالأورغ يعرف بـ media keyboard” وآلات الإيقاع كـ drums.
وحول قرارات النقابة فيما يخص المهرجانات، قال كاريكا إن هذه الإجراءات ستتيح لكافة مؤديي المهرجانات العودة للعمل مرة أخرى، مشدداً على أن الكثير من المؤدّين لجئوا بسبب قرارات المنع إلى السوشيال ميديا، وهو واحد منهم حيث يقوم بالخروج “لايف” على مواقع التواصل الإجتماعي الخاصة بالفيديو مثل “كواوي” و “تيك توك” كوسيلة للوصول للناس بدلاً من الحفلات”
“مفيش صاحب”
في عام 2012، خرج مجموعة من الشباب والمراهقين هم فرقة “شبيك لبيك” أو ما ستعرف بعد ذلك بفرقة “أولاد سليم اللبانيين” بمهرجان “مفيش صاحب بيتصاحب”، وقاموا بغنائه للمرة الأولى في أحد الأفراح الشعبية، قبل أن يتم تسجيله في استوديو “البرنس” بـ عزبة محسن بمنطقة العوايدة بالاسكندرية، وهي مجتمع مغلق على ذاته يضم عددا من العائلات ذات الأصول الصعيدية والعربية، ليتحول أعضاء الفرقة وهم فارس حميدة وزيكا وناصر غندي و فتحي البرنس إلى نجوم العزبة، ويتحول استديو البرنس لقبلة فناني المهرجانات.
بعدها انطلقت الفرقة لعالم الإعلانات وأرباح اليوتيوب والأفلام، قبل أن يتوقف كل ذلك لوفاة أحد أعضاء الفرقة في حادث، وتنحل الفرقة ويلجأ طفلها لغناء التواشيح والأناشيد الدينية ويعلن توبته.
فرصة للوصول
“أنا لست مؤدي مهرجانات، نحن مغنيين ولكن المهرجانات هي الوسيلة الأسرع للوصول فاضطررنا لها” بهذه الكلمات بدأ عبد الرحمن شيكو قصته هو وابن خالته عبد الله المعروف بـ “الخيميائي” مع عالم المهرجانات.
يقول شيكو لهاشتاغ: “بدأت العمل في المهرجانات إلى جانب عملي الأصلي كحارس أمن، قبل 7 سنوات، لكني توقفت قبل عام نظراً لقرار عبد الله بترك المجال لأنه يرى أنه حرام، ولأنه كان يقوم بكافة أعمال التسجيل.
امتلك عبد الله استوديو بدائي في غرفة نومه، عبارة عن جهاز كمبيوتر وصندوق عزل للصوت، وميكروفون جيد العزل للصوت، وبرامج موسيقية خاصة قام بشرائها عبر الإنترنت، إلي جانب برامج تحرير الفيديو والصوت والصورة، وجهاز media keyboard.
ومن خلال هذا الاستوديو المصغر قام بتسجيل الكثير من الأغنيات، بالإضافة إلى احيائه وابن خالته شيكو العديد من حفلات الزفاف في المناطق الشعبية الفقيرة.
ويضيف شيكو “أنا أهوى الغناء الطربي، بينما كان عبد الله يهوى الراب، لكن الوصول في أي مجال من الاثنين ليس بالسهولة الكافية، وهو ما جعلنا نحاول الوصول عبر المهرجانات قبل أن تنقطع بنا السبل”.