Site icon هاشتاغ

معضلة “التعافي المبكر”

معضلة "التعافي المبكر"

معضلة "التعافي المبكر"

هاشتاغ-مازن بلال

ظهر مصطلح التعافي المبكر بكثافة قبل ستة أشهر، بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وبدت الأحداث السياسية متسارعة كجزء من التداعيات التي أخذت أبعادا لا ترتبط بالضرورة بالحالات الإنسانية، وبشكل دراماتيكي أصبحت “العملية السياسية” في مسار مختلف مرتبطة بـ”تعافٍ” إقليمي بعد سنوات من التصعيد والتوتر، في وقت ظهرت التطورات معاكسة لآمال السوريين في تحسن الوضع الاقتصادي على الأقل.

عمليا فإن قضايا “التعافي المبكر” تبدو سياسية لأبعد الحدود، لأنها ترافقت مع اجتماعات عمان التي حددت آلية العودة السورية إلى الجامعة العربية، وبدا التعافي كخطوات لإزاحة عبء إقليمي يصعب التعامل معه بعيدا عن الواقع الدولي، فالمجموعة العربية ظهرت دون مرونة سياسية نتيجة الواقع الدولي بالدرجة الأولى، وهناك ملاحظتين أساسيتين مرتبطتان بمسألة التعافي:

الأولى أن “المجموعة العربية” التي اجتمعت في عمان حاولت صياغة عمل متسق مع الجهود الدولية السابقة، ولا يتعارض مع قرارات مجلس الأمن أو حتى اجتماعات اللجنة الدستورية، وهذا الأمر جاء في ذروة الانقسام الدولية، فالانفتاح على سوريا عربيا لم يكن غير مرضٍ للأوروبيين والولايات المتحدة؛ إنما جاء في توقيت خاص حيث كان الجميع يراهنون على معركة مختلفة وأشد شراسة في أوكرانيا.

كان من المفترض أن تقوم المجموعة العربية بدور فعال في كسر جمود العملية السياسية عبر إيجاد خرق في العلاقات بين دمشق والعواصم الأوروبية على الأقل، لكن هذا الموضوع لم يكن مؤجلا فقط بالنسبة لأوروبا بل يشكل جزءا من سياسة احتواء روسيا، فمادامت قواتها في سوريا فإن دمشق جزء من المعركة، ومن هذه الزوايا فإن “التعافي المبكر” ظهر في شرط سياسي صعب وأتاح حركةً إقليميةً نشطة لكنها محدودة بالمساعدات التي بقيت أيضا في الحدود الدنيا مقارنة لما وصل إلى تركيا.

بدت “المجموعة العربية” في تحركها “محشورة” في ملفات تنفيذية يصعب التحرك فيها دون قاعدة سياسية، ورهانات دولية على تحقيق “أمن إقليمي” من خلال الملف السوري، لكن العواصم الدولية تخلت عن تلك الرهانات لصالح كسر إرادة موسكو ليس في سوريا بل في العالم.

تجريد “التعافي المبكر” من المساحة السياسية شرط مستحيل، وهذه المساحة هي أضيق من المعتاد في الحالة الراهنة، فهو يعني بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة منح سوريا فرصة لكسب أوراق إضافية، وهي تنظر إلى أن هذا “التعافي” انتصار لمنظور سياسي رفضته تلك الدول منذ بداية الأزمة، وهي في نفس الوقت لا تعمد على ظهور شريك فقط في أي حل سياسي، بل في تشكيل سياسي مختلف وهو مثار جدل دولي بعد الأزمة الأوكرانية.

بغض النظر عن كل التحرك العربي فإن فعالية التعافي عموما تحتاج لمنظور داخلي، والأسابيع الماضية التي شهدت انهيارا في قيمة الليرة السورية تؤكد على أن الرهانات الإقليمية محدودة، وأن الآليات الداخلية وحدها القادرة على رسم ملامح لتعافٍ مختلف، ربما لا يكون مبكر لكنه “عملية” لرسم آفاق سوريّة مختلفة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version