أيهم أسد
تتردد بين الحين والآخر تصريحات من بعض المسؤولين السوريين عن ضرورة رفع أسعار بعض الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين كالتعليم والصحة والاتصالات والنقل مبررين ذلك بأن الدافع الأساسي لرفع سعر الخدمات هو من أجل ضمان استمرارية وجودة تقديم الخدمة، أو أن أسعار تلك الخدمات ما زالت أقل من أسعارها في دول الجوار، متناسين تماماً الكثير إما عن قصد أو عن جهل الكثير من العوامل الموضوعية التي تمنع في الحقيقة رفع الأسعار، وغالباً ما تكون تلك التصريحات مجرد مقدمات كلامية لسياسات فعلية سوف يتم اتخاذها دون الأخذ بعين الاعتبار الوقائع الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوري.
وتنفصل مثل تلك التصريحات عن الواقع تماماً حيث تبدو وكأنها تأتي في سياق طبيعي لاقتصاد ومجتمع مستقرين وهما في حالة تحسن نسبي، لكنها في الواقع تتناسى السياق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المعقد للحالة السورية وتبتعد عنه كثيراً لا بل إنها في الحقيقة تزيده تعقيداً وتلبكاً أكثر فأكثر.
وتبتعد تلك التصريحات بشكل تام عن الكثير من المقاربات البديلة لرفع أسعار الخدمات الاجتماعية، وتعتقد بأن رفع الأسعار هو البديل الأمثل لحل مشكلة استمرارية وجودة الخدمات وهي بالتالي لا تقدم أي مقاربة إصلاحية حقيقة للقطاعات الاجتماعية بل تقدم مقاربة مالية بحتة وضيقة جداً لا تتجاوز علاقة إيرادات ونفقات وتختصرها بأن الابتعاد عن المجانية هو الحل.
والأهم من ذلك كله أن مقاربة رفع أسعار الخدمات من أجل ضمان “جودتها” و”استمراريتها” لا تقدم مقاربات حول إصلاحات موازية للكثير من العوامل الداعمة لرفع أسعار الخدمات والتخلي عن المجانية مثل مقاربة إصلاح الأجور ومقاربة مستوى المعيشة ومقاربة مكافحة الفساد ومقاربة وقف هدر المال العام ومقاربة تفكيك شبكات اقتصاد الحرب ومقاربة إعادة النظر في توزيع الثروة الوطنية ومقاربة الإصلاح المالي ومقاربة الإصلاح الإداري وغيرها من المقاربات الإصلاحية الكبرى التي لو تمت فإنها ستقود تلقائياً إلى تحسين جودة الخدمات الاجتماعية وستضمن استمراريتها حتى دون المساس بسعرها، أو أنها ستقود إلى رفع طفيف في الأسعار مقابل تحسن حقيقي في الجودة وضمان أطول في الاستمرارية، أي أنه بعد تقديم حلول لتلك المقاربات يمكن الحديث عن “رفع المجانية”.
لا يمكن التعويل على عقول لا ترى المشكلة إلا من زاوية واحدة وضيقة ومرحلية، ولا ترى الإصلاح إلا أنه إصلاح يجب أن يدفع ثمنه المواطن فقط، ولا ترى أن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر تماماً.
وربما أنها ترى لكنها لا تجرؤ على البوح بما تراه……