هاشتاغ_لجين سليمان
تأثّرت بنصيحة تفيد بضرورة “تلفيق وطن” لتأمين انتماء ولو مؤقت يؤمن لي لي حماية من الانكسار، فبدأت بعدة محاولات تدفعني إلى الشعور بأن الوطن هو حيثما حللت، الوطن هو حيث يشعر الإنسان بالكرامة، مع يقيني في كل خطوة أن الوطن هو “ذاكرة” الإنسان.
يؤلمني جداً عندما أسمع صيحات أصدقائي السوريين في الداخل وهم يقولون: “بعمرك لا ترجعي” ولعلّ النصيحة الأكثر ألماً كانت: “لا تعودي حالياً، لا أريدك أن تري البلاد في هذه الحالة”.
ذكّرتني هذه النصيحة عندما توفي أحد أقربائي على يديّ في إحدى المشافي، إذ كنت أحاول الهروب من المشهد كي لا أتذكّره، وبالفعل شعرت أن البلاد بوضعها الراهن أقرب إلى الموت السريري.
حفظت معنى كلمة “السكان المحليين” باللغة الصينية، وتبعا لإقامتي في مدينة “تشونشينغ” اصبحت أقول أنا “تشونشينغية” وذلك على الرغم من صعوبة لفظ الكلمة بالعربية.
لم أكن أسعى إلى أن أنسى انتمائي السوري، لكن في ظل انعدام شروط تكوين الوطن كما هو الوضع الراهن، أحاول فقط تأمين ملاذ آمن ريثما يعود الوطن وطناً، لا لأنه فندقاً بل لأنه ذاكرة ولا أريد لذاكرتي أن تحتفظ بإيحاءات احتضار تلك الأرض.
وبالفعل بدأ أصدقائي الصينيون بالتفاعل معي فأطلقوا عليّ اسم “لوران” وهو اسم صيني، وكنت دائما أعلّق ضاحكة: “من ليس من هذه المدينة فليتوجه خارجا إنناً هنا جميعاً “تشونشيغيون”.
حاولت الاندماج قدر الإمكان، علّني أؤمن انتماءً إلى مكان آخر أسعى فيه لخدمة مكاني القديم يوما ما في مرحلة ما.
ولكن وبعد كل لحظات الوهم التي نضع أنفسنا فيها لنستمر في الواقع، تأتي الحقيقة على هيئة “منام” موجع يعيد انكسارنا إلى النقطة الأولى.
هو المنام ذاته الذي يراودني منذ أن غادرت البلاد. كان يتكرر يومياً في الفترة الأولى إلا أن كذبي على ذاتي أوقفه لفترة ليعود ويظهر مؤخراً.
يتلخّص المنام بأنني في سوريا، جالسة مع جميع من أحب، أسمعهم وأبادلهم مزحاتي المعتادة التي توصّف دائماً بأنها سخيفة، ومثيرة للضحك لشدة بساطتها”.
ولكن إلى هنا يكون قد انتهى الحلم وعدت إلى الواقع، ها أنذا في الصين، في عالم بعيد جداً عن تلك الجلسة التي ربما لن تعود بالشكل الذي أتذكره وأحلم به.
هو منحنى بياني انكسر، كان صاعدا في الحلم إلا أنه هبط فجأة ونزل إلى الأسفل في الواقع، فكسرني وشدّني إلى القاع، قاع ذلك الوطن.
مع الأسف لم يرحمني ذاك المنام، أنا التي أكذب على نفسي طوال اليوم، ليعود ويظهر ليلاً ويقول لي: “أنتِ من ذاك المكان، وما تصنيعنه من وطن ملفّق هو كبناء رملي ينهار بنسمات لطيفة تأتيك من البلاد.
وأما النسبة بين رقة النسمة وصلابة الرمل فهي لا تخضع للرياضيات ولا للمنطق، بل تخضع للذاكرة والمسار الذي قطعته تلك النسمة وصولا إليكِ.