يُعتبر اجتماع وزراء الخارجية الخليجيين ومصر والأردن والعراق في جدة، اليوم الجمعة، نقطة تحول مهمة في علاقة المنطقة العربية مع سوريا في المرحلة القادمة.
وسيناقش الاجتماع إمكانية عودة سوريا للجامعة العربية بعد أكثر من عشر سنوات من الإقصاء، ما يعكس تغييرًا كبيرًا في المواقف تجاه العاصمة السورية.
وتبع هذا الاجتماع جلسات سابقة، أهمها مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في الرياض، مؤخرًا، حيث أصدر الطرفان بيانًا مشتركًا يتضمن بعض النقاط حول “التسوية”.
ورغم أن عددًا من الدول سار على نمط السعودية، مثل مصر والأردن والإمارات وسلطنة عمان، إلا أن دولًا أخرى بقيت أكثر حذرًا، وتطالب سوريا بإثبات نوايا جادة نحو تسوية سياسية شاملة لجميع الأطراف، قبل الحديث عن إعادتها للجامعة.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن خمس دول على الأقل تعارض الجهود السعودية لإعادة سوريا، من بينها قطر والمغرب والكويت، مشيرةً إلى موقف مصري متحفظ رغم أن القاهرة اتخذت مواقف أكثر ليونة تجاه سوريا مؤخرًا.
ويظل غير واضح ما إذا كان الاجتماع سيفضي إلى إجماع في هذا الصدد، وما هي الخطوات التي تتخذها الرياض في الكواليس لتجاوز أي معارضة محتملة.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن اجتماع جدة الذي يبحث إمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية، قد لا يفضي إلى اتفاق نهائي، وفقًا لموقع قناة “الحرة”.
السعودية وقطر
وتحاول السعودية تبديد أي معارضة قد تعرقل المسار الذي بدأته على العلن، ويتوقع أن تعلن عدة دول عربية ترحيبها بعودة سوريا إلى الحضن العربي لإنهاء الإجراءات الأولية في الملف السوري والمصالحة العربية، بحسب آراء محللين.
ومع ذلك، يرى بعض المراقبين والخبراء من دول صُنفت ضمن قائمة رافضي عودة دمشق للجامعة العربية، أنَّ هناك عدة اعتبارات “قد تجعل مسار العودة يتباطأ كثيرًا وحتى تتضح الصورة”.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مؤخراً، أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية “مجرد تكهُّنات”، مشددًا على أن “أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة” بالنسبة للدوحة.
المستشار السابق في الخارجية السعودية سالم اليامي، يرى أنَّ “وصول العلاقات السورية العربية إلى هذه المرحلة، يعني بشكل كامل وحرفي عودة سوريا إلى الصف العربي”.
وأوضح اليامي أنَّ “الخلافات لدى بعض الأطراف العربية الخليجية، خصوصًا كان سببها مطالب ووجهات نظر معينة على سوريا القيام بها، ومن المعتقد أن كل ذلك حلَّ مع الرياض”.
من جهته، يعتقد صالح غريب، المحلل السياسي القطري، أن عودة الإمارات للتعامل مع سوريا تعتبر انتهاكًا لاتفاق أو إجماع عربي تم التوصل إليه في الجامعة العربية منذ سنوات.
مصر داعم رئيسي
وتعَدُ مصر إحدى الدول الرئيسية التي استقبلت سوريا، مؤخرًا، إلا أن حديث مسؤولين لصحيفة “وول ستريت جورنال” خلَّف غموضًا حول مسار العلاقات بين البلدين.
وأفاد المسؤولون بأنَّ مصر، التي استعادت علاقاتها مع سوريا في الأشهر الأخيرة وتعد حليفًا قويًا للسعودية، تقاوم أيضًا الجهود المتعلقة بإعادة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية.
وأضافوا أنَّ القاهرة، بالإضافة إلى عواصم أخرى، تريد من سوريا التعامل في المقام الأول مع المعارضة السياسية، بطريقة تمكِّن جميع السوريين من التصويت لتحديد مستقبلهم.
وفي هذا الصدد، رأى مدير تحرير جريدة “الأهرام” المصرية أشرف العشري، أنَّ موقف بلاده بشأن سوريا يختلف عما نشرته “وول ستريت”.
وأوضح العشري أنّ هناك رغبة خليجية – مصرية في إعادة سوريا إلى عضويتها في الجامعة العربية، وأنّ زيارة رئيس دولة الإمارات الأخيرة تدعم هذا الاتجاه.
ولفت العشري إلى أنّ القاهرة تسعى إلى فتح آفاق لعودة سوريا بعد تسوية سياسية تتم بالتعاون مع المعارضة، وأنّ مصر ودول الخليج تسعى لضمان مشاركة المعارضة، مشيراً لوجود رغبة في حضور سوريا القمة العربية.
وشدد العشري على عدم وجود “أي معارضة مصرية” بخصوص سوريا، مؤكدًا أنّ القاهرة تتفاعل مع التغييرات في المنطقة، وأنّ موقفها متناغم مع الموقف السعودي والإماراتي.
اعتبارات المغرب
أما المغرب، التي طالبت بإنهاء دعم سوريا لجبهة “البوليساريو”، لم تعلن رسميًا موقفها من تحولات العلاقات العربية مع سوريا، التي قطعت العلاقات معها في عام 2012.
ورأى المحلل السياسيي مثل بلال التليدي، أن هناك اعتبارين أساسيين لموقف المغرب، الأول مرتبط بالقضايا الإنسانية والثاني مرتبط بالأسباب السياسية والإقليمية.
وذكر التليدي أن سوريا لها ارتباط وثيق بإيران، معتبراً أنه قبل العام 2011 كانت سوريا تضع فواصل واضحة في موقفها مع المغرب.
واعتبر التليدي أن أي تشجيع لعودة سوريا إلى الجامعة العربية يعني أن المغرب يساعد بلد حليف لإيران وحليف للجزائر، التي قوَّت علاقتها مؤخرًا مع إيران.
ومع ذلك، فإن التليدي يشير إلى أن المغرب يمكن أن يغير موقفه إذا ما رجعت سوريا عن مواقفها، وخرجت عن المحور الذي يتشكل في شمال إفريقيا بين الجزائر وإيران.
الموقف الكويتي
ورغم وضوح الصورة في الخليج، إلا أن موقف دولة الكويت لا يزال يشكل مادة للتكهنات والتأويلات، وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكويت تعتبر واحدة من الدول التي تعارض عودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية، في حين نشرت صحيفة “الجريدة” الكويتية تقريراً يفيد بموقف مختلف.
وأوضحت “الجريدة” أن الكويت ستنضم إلى قرار الجامعة العربية بشأن عودة سوريا إلى المنظمة، في حين ذكرت المصادر الصحفية أن عودة سوريا للجامعة تتطلب التوافق العربي الكامل.
وتلتزم الكويت علناً بقرار عام 2012 بإغلاق سفاراتها، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 نفت صحيفة “الراي” الكويتية صحة الأنباء التي تحدثت عن إعادة فتح سفارة الكويت في دمشق.
ومن جانبه، أكد نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله في أواخر عام 2018، أن العلاقات بين بلاده وسوريا “مجمدة وليست مقطوعة، وفقاً لقرارات الجامعة العربية”.
وفي هذا السياق، يشير الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي عائد المناع، إلى وجود تباين في وجهات النظر بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بعودة سوريا إلى الجامعة العربية.
واعتبر المناع أن بعض الدول يرون ضرورة تقديم ضمانات لتحقيق وضع سياسي أفضل في سوريا، والطلب من كل القوى الأجنبية، بما فيها إيران وحزب الله وحتى روسيا، بالانسحاب من سوريا.