هاشتاغ-عصام التكروري
أتابعُ الحفاوةَ التي يُستقبل فيها أدونيس في مدنٍ سعوديةٍ عدّة، موقفُ النخبةُ المثقفةُ السعودية من هذه الزيارة اختصره
الدكتور سعيد السريحي الذي رأى فيها دليلاً على “ما تشهده المملكة من انفتاح على العالم، وتقبل للاختلاف، واعتراف بحرية الفكر”، بدوره، الصحفي عبده الخال يرى في الزيارة دليلاً على نهاية ” زمن التشدد المميت” حيثُ الكتابةُ عن فكرِ أدونيس كانت من الكبائرِ مُدللاً على ذلكَ بما حدثَ مع الشاعر أحمد عايل فقيهي عندما نشرَ ـ وفي شهرِ رمضان ـ مقالةً عن فكرِ أدونيس لتُشنَّ عليهِ لاحقاً حملةٌ شرسةٌ دفعتهُ للردِ على منتقديه بالقول: “ما كنتُ أعرفُ أنَّ أدونيس من مبطلات الصوم!”
باختيارها أدونيساً لإعلانِ نهايةِ عصرِ الانغلاق بكلِ أشكالهِ تكون المملكةُ قد اختارتْ العنوانَ الأبهى فأدونيس يمثّلُ بحق العقلَ المشرقيَّ الجميل، العقلَ الذي تشبهً تربيتهُ تربيةَ أشجارِ الزيتون، تربيةً من شدَّة فرادتها جعلته عقلاً يُضيء حتى لو لمْ تمسسهُ نار، كيفَ لا وفرادةُ هذا العقلِ تكمنُ في الاعتدالِ، الاعتدال الذي صيّرهُ مصباحاً ” يوقدُ من شجرةٍ مباركةٍ ، زيتونةٍ لا شرقية و لا غربية “، الاعتدال الذي لم يكنْ ترفاً عندَ زُراعِ الزيتون / المعرفة ، وإنما حاجةً وجوديةً فرضتها حالةُ التنوع الفكري والديني والعرقي والبيئي للمشرق فكانَ العقلُ المشرقي ثمرةً هذا التنوعِ، لذا كانَ بديهياً لهذا العقل أنْ يرى في فعلِ الإلغاءِ جريمةً بحقِ ذاتهِ وبحقِ الجغرافيا التي أنجبته قبلَ أنْ يكونَ الإلغاءُ جريمةً بحقِ الآخر/ الصنو.
العقلُ المشرقي القائمُ على الاعتدالِ والتنوعِ انقلبَ وبالاً على حامليه إذ بحلولِ قرون الصَّومِ الفكري باتتْ مخرجات هذا العقل من مُبطلات الصيام، ولاحقاً، مع تمادي عهودِ الاحتباس الإيديولوجي، باتَ اعتناقُ العقلِ المشرقي من الكبائر، ويومَ وُضِعِ هذا العقل على سريرِ “بروكرست” للانتماءاتِ القسرية عمَّ الخرابُ أرجاءَ الجغرافيا التي أنتجتْ هذا العقلَ.
إنَّه العقلُ المشرقيُ النادرُ في مواجهة ملهاةِ الزمان، ملهاة عبّرَ عنها المبدع عادل محمود (مازال حيّاً بالمناسبة) حين قال: “من الطرائفِ التي
تزخرُ بها الثقافة العربية،والإدارة العربية، والاستراتيجيات العربية، ووزارات الزراعة العربية أنَّ الدولةَ تمنعُ تصديرَ السلالاتِ النادرةِ من الماعزِ والخرافِ والخيولِ والبغالِ والحميرِ، بينما تسارعُ إلى منحِ أي طبيبٍ أو مهندسٍ، أو عالمٍ، أو مثقفٍ تأشيرةَ الخروجِ مع تمنياتٍ مضمرةٍ باللاعودة”.
ربما كانَ “العقلُ أعدلَ الأشياءِ قسمةً بينَ الناس” ـ كما يقول رينه ديكارت ( 1596ـ 1650) ـ لكن الشروط الموضوعية ( القانونية والسياسية)المحيطة باستخدامه هي التي تجعلُ منه إما عقلاً مِسخا أو عقلاً وضّاءً، تحديد هذه الشروط يجب أن يتم على ضوءِ عبارة الفيلسوف الفرنسي أوغست بلانكي (1805ـ 1881) والتي تقول “يمكنُ للأمةِ أنْ تتسامحَ معَ منْ يمارسُ عليها القمعَ وجميعَ أشكالِ العنفِ من سجنٍ وتعذيبٍ وبؤسٍ تجويعٍ، لكنَّها لا يمكنُ لها أنْ تتسامح أبداً مع مَنْ يعتدي على عقلها ويخنق ذكائها”.