في ذلك الأفق البعيد، تقبع بلاد “بائسة” خرجت من العصر الحجري منذ زمن بعيد، إلا أنها عادت اليوم إلى ذاك العصر، بفعل “مؤامرات ضخمة ترافقت مع قليل من الصمود، وبعض من التصدي”.
هاشتاغ-لجين سليمان
هناك تشاهد الجميع يموتون ببطء شديد، ويخشون الصراخ لأنه قد يولّد “مؤامرة” أخرى.
وبينما تكون أنت بعيد لمسافة تصل إلى الصين، وتحاول الاتصال بأحد أفراد عائلتك علّك تسمع صوتا من ذاكرة، ذاكرة بمثابة وطن، فلا يصلك الصوت إلا متقطّعا مع كلمات تحذيرية “لا تعود لا تعود”.
فجأةً يرضى الله عن المتحدّث ويصل الصوت بشكل أوضح بقليل، فتسمع لهاثاً من شدة البرد، وشكوى من قلة الكهرباء، وندباً من صعوبة الحال: “لا جديد.. لا إنتاج.. لا عمل، نكاد نموت من البرد، ما نعانيه لا يحتمل، وهذا كل مافي الأمر، والحمدلله أننا نشعر بالبرودة، ذلك يعني أن الشعور ما زال موجودا”، وبين الغصّة والأخرى تنطلق تحذيرات جديدة “لاتعود لاتعود”.
تحاول فتح الكاميرا فتتراءى لك الوجوه مغّبشة، فلا يصل من المتحدث سوى ملامح الشيخوخة والعجز، وبين الحرف والآخر تنقطع المكالمة مجددا.
أتصل مرة أخرى لأستكمل الحديث ومعرفة آخر الأخبار، ماذا يحدث، ما الجديد؟… فتأتي الإجابات على الشكل التالي: “جارنا الطبيب ذهب إلى اليمن براتب 2000 دولار كي يطعم أولاده، وجارنا “عزو” الذي يقطن على مفرق الحي توفي ولكن ليس بسبب كورونا بل بالسرطان، وجارنا الصيدلاني في رأس الحارة توفي لكن بالكورونا وليس بالسرطان هذه المرة، في الأمس أحضروا أسطوانة أوكسجين لجارتنا “أم محمود” محظوظة “هالمرة”، لكنها توفيت بسبب السكري على الرغم من توفر الأوكسجين “العملية نجحت ولكن المريض مات”.
أها وماذا بعد… هل يوجد أخبار أفضل؟.. نعم، وأخيرا حصل أخوكِ على جواز السفر وسيغادر خلال عشرة أيام، و”هل هذا خبر جيد؟ إنه انفصال آخر ووداع جديد”…. “نعم لكنّه أفضل من ألم مستمر وتقهقر دائم”.
ينقطع الاتصال مجددا، فأقرر الاكتفاء بجرعة الوجع، ولكن ماهي إلا لحظات ويرن الهاتف مجددا، أردّ قائلة “نعم، من مات في هاتين الدقيقتين؟” فتأتي الإجابة على الشكل التالي “هل تعرفين جارتنا التي تسكن في الشارع المقابل، لديها ولد عمره ثلاث سنوات توفي في الأمس؟” ..”كورونا أم سرطان” ..”لا ماس كهربائي”.
هذه هي الأخبار حتى الساعة، وقد انتهى موجز اليوم…أستوقف المتحدّث دقيقة…”لحظة، رجاءً من أجل الغد لا أريد أخبارا جديدة، هل بإمكاننا نبش الماضي ولو قليلا، لا لشيء، فقط كي أستطيع النوم، رجاءً في مكالمة الغد لا أريد أخبارا، أريد العودة إلى الماضي”.
نعم ماضٍ، ماض إلى درجة تضمحلّ فيها البلدان، فيُقتل الحاضر ويموت المستقبل، وتفتل الناس رؤوسها إلى “الوراء دُر” كي تبصر الأمل، لأن الحاضر لا ينذر سوى بالموت.. وأسبابه الكثيرة.