الخميس, مارس 13, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

أزمة أدوار

هاشتاغ-سامر ضاحي

ترتبط الأدوار الاجتماعية بالقيم والمعايير التي تحدد السلوك المتوقع القيام به من قبل مكونات المجتمع نفسه سواء كانت أشخاصاً أم مؤسسات.

ومع أهمية الأدوار الفردية إلا أن حساسية المجتمع تبدو أكبر لأدوار المؤسسات وعلاقتها بالأطراف المختلفة، لا سيما تناسب الأزمات عكساً معها، فقدرة كل طرف على الاستئثار المؤسساتي في ممارسة دوره تعتبر من عوامل تأجيج الأزمات.

لا يمكن نكران أن الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ 2011 أسهمت بضعف كبير في بعض المؤسسات أثر على أداء دورها، مقابل ظهور أدوار مجتمعية جديدة لهذه المؤسسات، لكن الإشكال الأكبر الذي عانى منه جميع السوريين ارتبط بإعادة تعريف بعض المؤسسات لأدوارها بحيث باتت هذه الأداور مرتبطة بالأزمة وليست مرتبطة بالمجتمع أو بمؤسسته الأعلى وهي “الدولة”، وكثيراً ما حرصت الأطراف على عدم التمييز في تعريف دور المؤسسات وارتباطه.

ما تشهده الساحة السورية اليوم يبدو نتيجة موضوعية بعد أكثر من عقد على هذا الإشكال، ويتعمق أكثر كلما ارتبط بالمؤسسات الوسيطة في المجتمع، فعند كل استحقاق أزموي نشهد الهرع إلى ساحة الخلاف والانخراط فيه بدل التركيز على الدور الذاتي خلاله، وهو ما يحكم بالفشل على أي طروحات أخرى نتيجة أزمة على عدة مستويات.

في المستوى الأول تقع المؤسسات الرسمية التمثيلية التي تتحول مع كل اختبار إلى أداة طيعة لخدمة مصالح الطرف الحكومي، نرى مثلاً ما حصل في مجلس الشعب، الذي تحول بدوره من مساءلة الحكومة إلى ممارسة دورها وحمايتها من خلال تشجيعها على ما اتخذته من قرارات أو تشكيل لجنة مشتركة معها، قد يكون الأمر مفهوما بالنسبة لحزب الأغلبية لكن أصوات المستقلين والأحزاب الأخرى في المجلس بقيت خافتة، فتبقى الآراء الأخرى بلا تمثيل.

في المستوى الثاني تقع المؤسسات الرسمية ذات الأدوار المستقلة، مثل الإعلام الذي يُفترض به أن يكون مؤسسة/ات مستقلة بدورها، تقوم بالإخبار ونقل الوقائع ثم يمكنها التعمق بأي حدث وتفكيكه وتناول رأي أطرافه والعودة لجذور مشكلاته، وهذا دور تقليدي لا خلاف بشأنه، دون التطرق للطموح الصغير بمارسسة الإعلام لدور رقابي، ليتحول الإعلام إلى ناطق رسمي باسم الحكومة، ولو كان إعلاماً رسمياً فهو ينخرط في بدايات كل خلاف لصالح الطرف الحكومي ويعبر عن سرديات الحكومة المرتبطة بذات الخلاف، فيترك الآراء الأخرى في المجتمع بلا قنوات للتعبير، وحتى ما يظهر من إعلام مستقل لا يتمتع بهذه الاستقلالية، أقله في الذهنية المجتمعية.

بالانتقال إلى المستوى الثالث، وهو المؤسسات التمثيلية المجتمعية، في مقدمتها الأحزاب والقوى السياسية، فمع كل استحقاق أزموي تسارع معظم هذه القوى لتكرار الخطاب الرسمي، وعندما تنحو بعضها نحو التعبير عن مصالح “الجماهير” فإنها لا تمتلك أدوات التعبير أو أدوات المنافسة السياسية للتعبير عن هذه المصالح، ما يعني أن الآراء الأخرى لا تحظى بالحواضن أو المؤسسات القادرة على حشدها والمناصرة بشأنها.

في المستوى الرابع تقبع مؤسسة الفرد، وفي حالة الأزمات يقصد بدور الأفراد النخب بأنواعها المختلفة، لنرى أن النخب قد تآكلت بفعل عوامل الأزمة، ويتم استحضارها للدفاع عن أي قرارات، وحتى في انتقادها هي ملتزمة بسقوف قد لا تكون محددة أصلاً، لذلك تفتقد أي آراء مختلفة في المجتمع للأفق الذي يحدد ملامح تطلعاتها.

تشير المستويات الأربع إلى أن المجتمع يعاني من أزمة أدوار، تسهم بحماية الطرح الحكومي، وتحكم بالفشل على الطروحات الأخرى، وبالتالي يعمق من أزمة المجتمع ويهدد مؤسساته على المدى الطويل، لذا تزداد الحاجة إلى مستوى خامس وهو المجتمع المدني، فهو مستوى من التمثيل والتنظيم المجتمعي يفترض به حماية المؤسسات المختلفة في المجتمع ومنع انهيارها من خلال العمل على الموازنة بين الأدوار المختلفة والأطراف المختلفة، إلا أن الواقع يشير فعلاً إلى أن المجتمع المدني السوري مشتتٌ ويعمل في بيئة مركزية صعبة، تزداد صعوبتها في ظل تحديين أساسيين:

الأول مرتبط باستهداف المدني سلطوياً عبر الخلط بينه وبين التنظيم السياسي وإسباغ صفة المعارضة عليه منذ “ربيع دمشق 2002”.

والثاني مرتبط بتعريف أي حراك سياسي لنفسه على أنه مدني والهروب من مسؤولية الصفة السياسية.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة