لأول مرة منذ توليه منصبه في 2017، لن يلقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمة في القمة السنوية لقادة العالم، ملغياً مشاركته في اجتماع نيويورك، على خلفية أزمة ديبلوماسية بين باريس وكل من واشنطن وكانبيرا.
وأعلنت فرنسا استدعاء سفيريها من الولايات المتحدة وأستراليا، مساء أمس، الجمعة، احتجاجاً على قرار أستراليا إلغاء صفقة غواصات فرنسية بقيمة 40 مليار دولار والتحول عنها إلى الغواصات النووية الأميركية، في خطوة غيرة مسبوقة بين الحلفاء التقليديين، وسط ظهور بوادر خلاف أوروبي أميركي على مياه المحيطين الهادي والهندي.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الإجراء الفرنسي يعكس أزمة دبلوماسية “مفتوحة” بين واشنطن وباريس، بعد إعلان أستراليا الخميس الماضي فسخ عقد ضخم أبرمته مع فرنسا في 2016 لشراء غواصات تقليدية، مفضلة عقد شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
يعود سبب الأزمة إلى الاتفاقية الدفاعية الثلاثية (التحالف الجديد) التي وقعتها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا هذا الأسبوع، وأدت إلى إلغاء كانبيرا صفقة بقيمة 40 مليار دولار لشراء غواصات من مجموعة “نافال” فرنسية، والتحول عنها إلى أخرى أميركية ذات الدفع النووي.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن الأربعاء الماضي إطلاق شراكة استراتيجية مع لندن وكانبيرا، تتضمن تزويد الأخيرة بغواصات أميركية تعمل بالدفع النووي، ما أثار غضب الفرنسيين الذين وصفوا خطوة حلفائهم بـ “طعنة في الظهر” لأنها أخرجتهم من اللعبة.
ووصف وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، قرار بايدن “الأحادي والمباغت” بأنه “على الطريقة الترامبية”.
ويعكس القرار الفرنسي حجم الاستياء الشديد وسط محاولات أميركية لإرضاء باريس، وهذه هي المرة الأولى التي تعيد فيها سفيرها من واشنطن بهذه الطريقة، بحسب “مونت كارلو” الدولية.
وأصدر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، بياناً قال فيه إن قرار بلاده الحازم (استدعاء السفير) كان بأوامر من الرئيس إيمانويل ماكرون للتعبير عن الاستياء الفرنسي من الخطوة الأميركية، وأضاف البيان أن “هذا سلوك غير مقبول بين الحلفاء والشركاء”.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إميلي هورن، إن إدارة بايدن على اتصال وثيق بالمسؤولين الفرنسيين بشأن قرار إعادة السفير إلى باريس.
ووصفت هورن فرنسا بأنها “أقدم حليف وأقوى الشركاء”، ولدينا تاريخ طويل من القيم الديمقراطية المشتركة والالتزام بالعمل معاً لمواجهة التحديات العالمية.
كما شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للعلاقات مع فرنسا، معرباً عن أمل واشنطن في مواصلة النقاش حول هذه القضية على مستوى رفيع في الأيام المقبلة، لا سيما مع اقتراب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل.
من جانبها، قالت أستراليا إنها تأسف لقرار باريس استدعاء سفيرها في كانبيرا وإنها تثمن العلاقات بين البلدين، مؤكدة بأنها ستستمر في التواصل مع الفرنسيين بشأن قضايا أخرى.
وقال المتحدث باسم وزيرة الخارجية، ماريز باين في بيان، نشر صباح اليوم، السبت، إن “أستراليا تتفهم خيبة أمل فرنسا العميقة من قرارنا الذي تم اتخاذه بما يتفق مع مصالح الأمن القومي الواضحة والمُعلن عنها”.
ويمثل هذا الخلاف أدنى نقطة وصلت إليها العلاقات بين أستراليا وفرنسا منذ عام 1995 عندما احتجت كانبيرا على قرار باريس استئناف التجارب النووية في جنوب المحيط الهادي واستدعت سفيرها للتشاور.
ويأتي توتر العلاقات بين أستراليا وفرنسا في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الحصول على دعم إضافي في آسيا والمحيط الهادي وسط مخاوف من تنامي نفوذ الصين.