هاشتاغ – ناديا مبروك (القاهرة)
“سبب الوفاة ..أزمة قلبية” قد تكون الجملة الأخيرة عادية في شهادة وفاة عجوز بلغ من العمر عقودا، لكن أن تكتب هذه الجملة في شهادة وفاة طفلة لم تكمل عقدها الأول في الحياة فهو ما يعد أمر غريباً، إلا أن الاغرب هو أن الأزمة القلبية جاءت نتيجة الضغط والإجهاد في الدراسة استعداداً للتقييمات الشهرية.
وكانت الطفلة يارا طارق، الطالبة في إحدى مدارس مدينة العبور التابعة لمحافظة القليوبية، قضت جراء أزمة قلبية مفاجئة، عقب امتحان اللغة الإنجليزية لشهر تشرين الأول/ أكتوبر، وحسب تسجيل صوتي نسب لها، فإن أخر تواصل لها كان مع مدرسها قالت فيه “أنا تعبانة ..مش قادرة أحل يا مستر” قبل أن يتوقف قلبها أثناء الدراسة.
ويعاني طلاب الصف الرابع والخامس الابتدائي، من صعوبة المناهج الدراسية، التي تم تعديلها عدة مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، في خطة تطوير التعليم التي تبناها وزير التعليم السابق طارق شوقي، حيث بدأت الخطة بتعديل مناهج رياض الأطفال، والصفوف الثلاث الأولى، انتهاء بالصف الرابع والخامس.
وطبقاً للمنظومة التي أقرها وزير التعليم السابق، واستمر العمل بها في عهد الوزير الحالي رضا حجازي، فإن الطلاب في الصفوف الأولى وحتى الرابع الابتدائي لا يخضعون لاختبارات، وإنما تقييمات شفوية، دون نجاح أو رسوب، فالطلاب في الصفوف الأولى ينتقلون تلقائياً للصفوف الأعلى.
من الصف الرابع يخضع الطالب لاختبارات مع إمكانية الرسوب، وحسب الجريدة الرسمية، فإن نظام التقييم مقسم لـ 100 درجة في كل فصل دراسي؛ 60 للاختبارات التحريرية، تتضمن درجات الاختبارات الشهرية، بينما توزع الدرجات الباقية على المهام الأدائية والالتزام بالحضور.
ظرف استثنائي
تقول أماني الشريف، مؤسس اتحاد المدارس التجريبية، إن الطلاب في الصف الرابع حالياً في ظرف استثنائي، لأنهم لم يخضعوا للتقييم خلال السنوات الماضية، كما لم يشهدوا عاماً دراسياً كاملاً بسبب أزمة كوفيد 19، وهذا من مسؤولية أولياء الأمور الذين لا يستطيعون استكمال المناهج عبر الدروس أو مجموعات التقوية، ويسيرون فقط وفقاً لما درسه الطفل في المدرسة فقط.
وأضافت الشريف في تصريحات لـ هاشتاغ أن التسجيل الصوتي المنسوب للطفلة المتوفاة يكشف حجم الضغط الذي تعرضت له، والإهمال أيضا من الأسرة التي لم تنتبه لـ حالة الإعياء التي وصلت لها الطفلة، وظهرت في صوتها.
ورغم لوم الأسرة إلا أن الشريف بررت خطأ الأسرة بالضغط الواقع عليها، فالوزارة قررت عدم خضوع الطالب للتقييم خلال الصفوف من الأول حتى الثالث الابتدائي، ورياض الأطفال أيضا، فلم يتدرب الطفل على أي اختبار حقيقي، كما أن المناهج المعدلة لم يراعى فيها المدى الزمني للدراسة، لأن مناهج الصف الرابع الابتدائي مثلاً قال عنها وزير التعليم السابق طارق شوقي إنها تدرس في 180 يوماً، بينما العام الدراسي في مصر 100 يوم فقط.
ووصفت الشريف المناهج بأنها ممتازة، لكنها مكثفة لا تدرس في عام دراسي واحد، لأن الكم ليس هو الأهم، وإنما الاستفادة هي الأهم، مشيرة إلى أن العديد من أولياء الأمور حتى يتخطوا هذه المشكلة بدؤوا بتلقي دروس خصوصية في إجازة نهاية العام الدراسي حتى يدخل الطفل للصف الرابع الابتدائي، وهو مؤهل ومستعد، وهذا يمثل ضغطا على الطفل، وعلى أولياء الأمور أيضا شبيه بضغط الثانوية العامة.
وأشارت الشريف إلى أن العديد من الطلاب يعانون كما عانت يارا نفسيا وجسديا بسبب المناهج وأسلوب الدراسة والتقييمات المفاجئة.
وحول الحل قالت الشريف لابد من تخفيف المناهج، كما يجب أن يتم تدريب الأطفال على أساليب التقييم والاختبارات التحريرية منذ الصف الأول الابتدائي، حتى يكونوا مؤهلين في الصف الرابع على هذه التقييمات.
مناهج صعبة
“والدتي لم تكن متعلمة ولم أعاني مثلما يعاني أولادي” بهذه الكلمات عبر حسن القرموطي ولي أمر الطفلين مازن ومليكة عما يشعر به توأمه بسبب مناهج الصف الصف الخامس الابتدائي.
وقال حسن لـ هاشتاغ “منذ الصف الثاني الابتدائي لم يحظَ أبنائي بعام دراسي كامل بسبب الإجراءات الاحترازية من فيروس كوفيد، وتوقف الدراسة، لكن في المقابل لم تعوضهم المدرسة عن تلك الفترات التي انقطعوا فيها عن الدراسة، ولم تقدم دراسة عن بعد عبر منصات الوزارة، وحين حاولت الوصول لمنصات الوزارة اصطدمت بعدة عراقيل تكنولوجية”.
وأضاف حسن “منذ بداية دراسة الطفلين وأنا مؤمن بأن الإجازة ليست للدراسة، وإنما للترويح عن الأطفال، وبالتالي لم أسمح خلال فترة الإجازة بأي دروس أو دراسة من أي نوع، ولكن فوجئت بتأثير ذلك على علامات أبنائي في الدراسة”.
وقال حسن “أطفالي يعانون أولا من صعوبة المناهج، فهناك دروس لم أدرسها أنا سوى في المرحلة الإعدادية بينما يدرسها أطفالي قبل أن يكملوا عامهم العاشر، وفوجئت قبل أيام من منشور على السوشيال ميديا نشر صورتين؛ الأولى من كتاب الأحياء للثانوية العامة، والثانية من كتاب العلوم للصف الرابع الابتدائي، والفروق بين الصفحتين تكاد تكون طفيفة”.
لا ثبات في التقييم
وتقول نادية عبد القادر، المدرّسة بإحدى المدارس الابتدائية بمحافظة القاهرة، “إن الأزمة قبل أن تكون في المناهج هي في عدم ثبات الوزارة على قرار، أو أسلوب محدد في التقييم، فكل عام دراسي يختلف النظام عما قبله، فلا توجد فرصة ليقوم الطلاب بالتدريب على أسلوب التقييم”.
وأضافت عبد القادر، “بسبب كوفيد 19 اعتمدت الوزارة في التقييم في أحد الأعوام على الأبحاث، ثم عدلت إلى التقييم عبر الاختبارات النهائية، ثم عبر الاختبارات الشهرية، فلا أستطيع أنا كمعلمة أن أدرب الطلاب على اختبارات أو تقييمات، كما كان يجري قبل تطوير التعليم، حين كانت كل امتحانات السنوات السابقة متاحة حتى يستطيع الطالب التدريب مما يقلل الضغط النفسي.”
وأشارت عبد القادر إلى أن نفس الأسلوب اتبع مع طلاب الثانوية العامة، من اختبارات عبر “البابل شيت” والتابلت، والكتاب المفتوح، ثم عودة الأسئلة المقالية، وكل هذه القرارات تؤدي في النهاية إلي بلبلة الطالب ورفع حالة التوتر لديه.