هاشتاغ-مازن بلال
خطورة ما حدث في غزة ظهرت بعيدا عن التطورات العسكرية، فرغم نوع المفاجأة التي حققتها الفصائل الفلسطينية على مستوى المعركة التي تخوضها، لكن الحدث الأساسي هو في “إسرائيل” التي على ما يبدو دفعت ثمن “التشتت السياسي” المستمر من أشهر، فخسارتها لقوتها اليوم في غزة هو ظاهرة سياسية بامتياز، تملك جذورا في طبيعة الائتلافات السياسية التي جعلت قاعدة أمن “إسرائيل” الأساسية متهالكة، فالقاعدة الصلبة التي كانت تؤمن على الأقل وحدة عسكرية رغم كل الخلافات السياسية تآكلت بشكل واضح بفعل “اليمين الإسرائيلي المتطرف”.
الجانب الآخر من “أزمة إسرائيل” في حرب غزة ظهر على المستوى الدولي، حيث كان واضحا أن التعاطف الدولي هو جزء من إعادة النظر بالاهتمامات الدولية التي جعلت مسائل الشرق أوسط هامشية، وتركتها لاحتمالات التوازنات الإقليمية الهشة، ويمكن قراءة مؤشر الحرب الحالية على مستوى تآكل القوى الإقليمية منذ بداية “الربيع العربي” عبر ما يحدث اليوم في غزة من خلال نقطتين:
الأولى أن النظام الإقليمي الذي انهار بشكل دراماتيكي منذ بداية الحرب السورية لم يمنح “إسرائيل” قوة إضافية، رغم أنها بدت على امتداد العقد الماضي كمستفيد رئيس من كافة الاضطرابات التي اجتاحت المنطقة.
ما حدث عمليا خلال أحداث الربيع العربي هو تأثير قوى إقليمية جديدة لم تنافس “إسرائيل” بشكل مباشر، لكنها على الأقل اكتسبت أدوارا غيًرت من تكوين الشرق الأوسط ككل، في وقت لم يتوقف التهديد ضد “إسرائيل” رغم أنه بدى كحالات قابلة للسيطرة سواء داخل الأراضي المحتلة أو في الجوار الجغرافي، وتضخم القوة العسكرية “الإسرائيلية” ظهر ضمن مساحة سياسية هشة نتيجة التحولات الحادة للنظام الإقليمي.
أقرأ المزيد: أوراق ضائعة في الأزمة
النقطة الثانية هو انهيار النسق السياسي الذي ميز علاقة “إسرائيل” مع محيطها، فلم يعد هناك علاقة “حرب” أو عملية “سلام” بل محاولات للقفز على معادلة التوازن بينها وبين جوارها باتجاه المحيط العربي، فظهرت خطط السلام التي تجاوزت أشكال العداء التقليدي على الأقل داخل الأراضي المحتلة، وذهبت بعيدا في تأسيس قواعد سياسية أو طروحات مثل “صفقة القرن” التي تشكل تأسيسا مختلفا لمفهوم السلام، أو حتى استخداما له على المستوى الاقتصادي.
رغم أن عملية السلام برمتها لم تكن ناجحة، لكنها كانت بين الأطراف المعنيين مباشرة، وهدفها انفتاح “إسرائيل” باتجاه محيطها العربي، إلا أنها بدأت مع الفلسطينين ودول الجوار، بينما تشتت السلام لاحقا ليصبح “إنجازا” على الصعيد “الإسرائيلي” عبر فتح قنوات مع دول الخليج أو غيرها، ففقدت “الاستراتيجية الإسرائيلية” قاعدتها الصلبة التي اعتمدتها سابقا عبر التعامل مع الأطراف التي كانت في حالة حرب معهم.
أقرأ المزيد: سيناريوهات لحرب مختلفة
بالتأكيد فإن ما حدث على الحدود بين غزة والأراضي المحنلة هو استرجاع للموضوع الفلسطيني كصراع مركب، يصعب التعامل معه خارج التوازن الإقليمي، ولكن تطور الحدث يدفع لسؤال أساسي عن مستقبل التوازن الإقليمي الذي كانت “إسرائيل” آخر المتضررين منه، ومن الردود الدولية حتى الآن لا يبدو أن العواصم الأساسية في العالم تملك تصورا لمستقبل ما يحدث سياسيا وليس عسكريا، فالردع العسكري لا يمكن أن يغير شيئا في شرقي المتوسط بعد انهيار النظام الإقليمي.