يصعب تحديد ما سيحدث لأسعار النفط نتيجة لوباء COVID-19 والركود العالمي. فقد تعرض النفط إلى صدمتين بآن واحد (صدمة تآكل الطلب، وصدمة المخزون المتضخم)، وعلى الرغم من أن جميع توقعات السوق تخضع للعديد من المخاطر، إلا أن توقعات الطاقة قصيرة المدى لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) لا يزال عرضة لدرجات عالية من عدم اليقين لأن تأثيرات القيود المتعلقة بـ (COVID-19) على أسواق الطاقة متغيرة باستمرار.
وتستمر الشكوك والدارسات حول تأثير COVID-19 على أسواق النفط اليوم، وما هي آفاقها؟
قبل البدء بانتشار فيروس كورونا، كان العالم ينتج ويستهلك حوالي 100 مليون برميل يومياً؛ أدت قواعد التباعد الاجتماعي والقيود المفروضة على السفر والانتقال من أجل الحد من انتشار COVID-19 إلى حدوث تغييرات كبيرة في أنماط العرض والطلب على الطاقة. وتتوقع (EIA) أن يبلغ متوسط استهلاك الوقود السائل العالمي 92.6 مليون برميل في اليوم في عام 2020، بانخفاض 8.1 مليون برميل في اليوم مقارنة بعام 2019.
وعلى الرغم من اتفاق نيسان بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والدول الشريكة في إطار ما يعرف مجموعة (أوبك +) لخفض مستويات الإنتاج بمقدار 9,7 مليون برميل يومياً منذ شهر أيار ولغاية حزيران، وبعده سيخفف المنتجون القيود ببطء، وعلى الرغم من أن التخفيف سيظل قائماً حتى نيسان من العام 2022. غير أن أسعار النفط الخام انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من 20 عاماً.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 34 دولاراً للبرميل في عام 2020، وأن الأسعار ستبلغ 23 دولاراً للبرميل خلال الربع الثاني من عام 2020 قبل أن ترتفع إلى 32 دولاراً للبرميل خلال النصف الثاني من السنة.
وفي الوقت نفسه، قاربت مخزونات النفط في العديد من الدول طاقتها القصوى. عادة، تمتلك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD حوالي 60 يوم من إمدادات النفط الخام. اليوم لديهم إمدادات عن 85 يوم. وتتوقع وكالة معلومات الطاقة الأميركية ( EIA) أن مخزونات النفط العالمية ستنمو هذا العام بمتوسط 2.6 مليون برميل في اليوم – وهو أكبر تراكم سنوي منذ أربعين عاماً. ببساطة، العالم انتهى من إمكانية تخزين النفط.
ولأن أسواق النفط غير مرنة على المدى القصير، فإن تزامُن تراجع الطلب وضخامة المخزونات أديّا إلى حدوث أكبر انخفاض تاريخي في أسعار النفط، حيث وصلت الأسعار إلى قيم سلبية لبعض أنواع النفط؛ ومن الناحية التاريخية، كانت الانخفاضات المفاجئة في أسعار النفط تبقى لفترة قصيرة وتعود للارتفاع بعد بضعة أشهر من عودة التعافي، هذا ما حدث بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008.
ولكن، مع اندلاع جائحة كورونا وركود يلوح في الأفق، هل ستكون هذه المرة مختلفة؟
الجواب يعتمد أولاً على سرعة تعافي الطلب، نفذت الحكومات قيوداً على النشاط الاقتصادي لم يسبق لها مثيل، علاوة على ذلك، قد يتردد الأفراد في العودة إلى أنماط حياتهم القديمة، إذ يمكن الحفاظ على آليات العمل (عن بعد) التي توسعت بسبب القيود المفروضة للحد من انتشار العدوى، فقد أعلنت شركات مثل Google و Facebook عن أنه من المرجح أن يواصل موظفي هاتين الشركتين العمل عن بعد لنهاية العام، ومنذ يومين أعلنت Twitter أنه سيسمح للعديد من موظفيها العمل من منازلهم في شكل دائم ما بعد انتهاء الإغلاق المرتبط بفيروس كورونا المستجدّ؛ مما يعني أن بعض الصناعات – خاصة السفر والسياحة – ستعاني لفترة طويلة حتى بعد إزالة القيود المتعلقة بمكافحة انتشار المرض. وهناك دائماً احتمال أن تضطر الحكومات لإعادة فرض القيود في حال ظهور موجات جديدة من الجائحة، فضلاً عن أن تفشي الفيروس قد يضعف توقعات التجارة بدرجة أكبر وتركزها في المرحلة المقبلة على السلع الغذائية والدوائية.
بالتالي النمو الاقتصادي لن يأخذ شكل حرف (V) أي أن الركود الحاد لن يرافقه انتعاش سريع، بل قد يأخذ شكل (L) أي التراجع الاقتصادي سيستمر إلى فترة طويلة خاصة في ظل غياب اللقاح أو العلاج. وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تدابير الاحتواء ستتسبب في انخفاض مبدئي في مستوى الإنتاج من 20%-25% في العديد من الاقتصادات، ويتوقع صندوق النقد الدولي (IMF) نمواً سالباً لعام 2020 مع “أسوأ تداعيات اقتصادية منذ الكساد الكبير “.
هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا نتوقع ألّا يعود الطلب على النفط بالسرعة التي كان عليها بعد الأزمات السابقة، غير أن عودة ارتفاع أسعار النفط بتحالف منتجي النفط في تحديد كميات الإنتاج والسرعة في تغييرها.