هاشتاغ – رأي: نضال الخضري
ننسى أن الأزمات تغيب أحلامنا، فنعيش سأماً خاصاً لا يحمل لوناً قادراً على انتشالنا من قدر يطبق علينا، فأحلامنا المؤجلة باتت ظاهرة تواكب كل التفاصيل، وترسم تصورات لوطن بلا هامش نستطيع به الاسترخاء خارج الحدث، وممارسة لعبة الهروب من تشابك الهموم أو صراعات البقاء، ففي كل حلم نفقده يتربع اليأس في موقع أعلى.
ما نفقده يومياً هو اختناقنا داخل الشوارع، فكلما زاد عدد المتسولين أطبقت الدنيا على رؤوسنا، وعندما تضيق الدنيا بعربات البائعين التي تحتل الأرصفة والطرق تتشكل فوق عقولنا طبقة جديدة من رماد الصراعات، فالمدينة باتت خالية من أمان الحياة، وتلاحقنا بأصوات الباعة أو دخان السيارات، فالأزمات تتجسد في المدن التي تطارد سكانها وتجعلها مكاناً خطراً يحدق الأحلام والتأمل بأفق الحياة.
وأصعب ما فقدناه في مدننا هي “المفردات” ليغدو وصفها عصياً على التفكير، فالكلمات تسربت بعيداً ربما على إيقاع حرب أو غضب أو فوضى، وانهارت رحابة الساحات لتصبح صوراً قاتمة لزمن بلا أحلام أو مفردات للحديث والكتابة، وفي ذروة البحث عن جمل قصيرة نكتشف أن العجز طال كل شيء، وأن الكلمات تخون الجميع وتتركنا في فضاء خالٍ من أي حروف يمكنها أن تجمع كلمة لوصف ما نراه.
تصادفنا أحياناً أغنية عن “بردى” فنحاول رسم صورة له، أو لقدرة الشاعر على التغني بجمال فقدناه أو اختفى حتى من الذاكرة، ونتذكر أن الشعر يحتاج على الأقل إلى عشق المكان المفقود، وإلى مفردات يمكن أن نعثر عليها بسهولة من مساحة الأحلام، فنعيد من جديد ترتيب صورة المدينة الغائبة ونفشل في رسمها وكتابتها في صفحات الحياة.
ليس هناك زمن جميل وآخر قبيح، هناك فقط قدرة على خلق مفردات للوصف والتعبير وتقديم صور لأحلام نحملها معنا، وفي المقابل هناك مرحلة عجز وتكهنات وتحليلات سياسية، فكلما زادت التنبؤات نقصت مساحة الأحلام، وكلما أضافت الفضائيات مُنجِّماً جديداً أدركنا أن المدينة عاجزة عن خلق شاعر وسط ضجيج الباعة المتجولين، وأن العقم طال حتى التصورات التي يمكن أن يخلقها أي فنان يستطيع الخروج فجأة ليعترض على فقدان الأحلام.
عندما تصبح المدينة ساحة ألق لأجسادنا فإن “المفردات” ستظهر فجأة، وسيصبح أي طفل بعينين ضاحكتين ظاهرة إلهام تحرك الحياة من حوله، وربما ستختفي صور البؤس المرمية عند إشارات المرور وتتشكل في ظواهر قادرة على جعلنا أكثر سعادة.
من يبيعنا الوهم يكسر في عمقنا القدرة على الحلم، ومن يجعل مدننا ساحة صراع للقمة العيش يسرق منا “المفردات” وفي كل شكل يكسر بريق العين تنتهي التفاصيل، فالمدن التي نملكها هي أكثر من غابة أسمنت، لأنها تحمل كل التصورات لحياة يمكنها أن تنقلنا باتجاه الأحلام المؤجلة، وترسم لنا لحظات من بريق الحياة ومن القدرة على كتابة متعة الوجود فوق أرض نشكلها وفق أحلامنا.