هاشتاغ-رأي-مازن بلال
تتعامل الولايات المتحدة مع التصعيد في المنطقة وفق سيناريو الحرب الحتمية، فهي ليست معنية في اللحظة الراهنة باحتواء الموقف لأن هذا يعني الضغط على “إسرائيل” لوقف الحرب، وفي المقابل فإن حكومة نتنياهو وضعت المنطقة بسياسة الاغتيالات أمام مسار يصعب فيه التعامل سياسيا مع الحدث، فالإدارة الأمريكية المشغولة عمليا بالاستحقاق الانتخابي ترى أن العمل العسكري هو الاحتمال الأنسب؛ فهي تفضل التعامل مع التداعيات التي ستنتجها الحرب بدلا من إقناع الأطراف بتوازن الردع الذي كان قائما قبل حرب غزة.
كما ترى الولايات المتحدة أن أي حرب لن تغير من معادلة القوة التي تفرضها “إسرائيل”، خصوصا أنها الدولة الوحيدة داخل الصراع القائم في مواجهة تنظيمات وأحزاب؛ وهذا بشرط بقاء إيران خارج المواجهة المباشرة، واغتيال إسماعيل هنية كان بالتأكيد حدثا مربكا للأطراف جميعها، لكن إمكانية المواجهة المباشرة مع إيران تخضع لمسألتين:
الأولى هو ما يعرف بالعلوم العسكرية بـ”عدم المتاخمة”، فالدولتان لا تملكان حدودا يمكن أن تخلق جبهة بالمعنى العسكري، والطرفان سيتواجهان بـ”الوكالة” بوساطة حلفائهما في المنطقة.
تتحدث الولايات المتحدة عن سيناريو تشترك فيه الأطراف جميعها في “محور المقاومة” في ضربة واحدة، والمسألة لا ترتبط هنا بجدوى مثل هذا الفعل العسكري إنما بآلياته التي تعتمد شكلا كلاسيكيا سيجمع القوى الغربية لمواجهة الهجوم كما حدث سابقا، فهو رد لا يمنح إيران ميزة إضافية حتى ولو دمرت الأهداف المحددة، لأن الحرب ضدها لا تتخذ منحى كلاسيكيا بل استخباراتيا و “رقميا” يهدف بالدرجة الأولى للحد من قدرتها على امتلاك القوة، بما فيها السلاح النووي، فما يقلق إيران أكثر من مسألة تدمير أهداف وردع “إسرائيل” عسكريا، فالردع الاستخباراتي يبدو الأهم في رسم التوازن القادم في المنطقة.
المسألة الثانية مرتبطة بطبيعة علاقات إيران مع دول المنطقة، فمسألة الرد وفق السيناريو الأمريكي تعني في النهاية اضطراب العلاقات الإقليمية التي تحاول طهران ترميمها.
تريد الولايات المتحدة من الرد الإيراني إيجاد جبهة عربية ضد إيران التي ربما تُشعل بردّها حربا إقليمية، وهذا السيناريو يبدو أفضل من الهدف “الإسرائيلي” في إنهاء حماس، فهو يحاصر إيران و “محور المقاومة” من جديدة بسياسات عربية وليست إسرائيلية.
بالتأكيد يمكن أن تذهب إيران لتنفيذ ضربة مشتركة مع حزب الله لـ”إسرائيل”، وهذا الأمر سيكون نتيجة إغلاق الأبواب الدبلوماسية التي تمارسه الولايات المتحدة تجاه أزمة المنطقة، فسياسة الاغتيالات التي مارستها “إسرائيل” ضيقت الخيارات بما فيها العسكرية أمام الأطراف جميعها، وإيران تدرك طبيعة المأزق الذي وصلت إليه المنطقة، وصعوبة التحرك مع كسر الاحتمالات المرنة الممكنة كلها من الجانب الفلسطيني بالدرجة الأولى، فالتعامل العسكري الذي يبدو مؤكدا وفق التحليلات الأمريكية لن يكون كافيا لأي طرف يقف في مواجهة “إسرائيل”.
هناك نقطة حرجة وصلت إليها المنطقة وتحتاج إلى حالة “إبداع سياسي” بالدرجة الأولى حتى ولو كان مدعوما بالقوة العسكرية، فالمنطقة تستطيع تحمل حروبا عدة، ولكنها بالفعل تحتاج إلى غطاء سياسي واسع يستطيع كسر الاحتمالات كلها التي تسعى إليها “إسرائيل”.