هاشتاغ-ديانا جبور
أخيرا سنحت لي الفرصة لزيارة اليونان .. من أول يوم وصول وقبل أن أفتح شنطة السفر شددتُ الرحال إلى أكروبوليس، كما لو أن المكان سيفر مني إن تأخرت عليه.. أريد أن أسمع رجع صدى صرخات أوديب وأنتيجون لسوفوخليس ، أن أعاين برلمان أول ديمقراطية في العالم..
كمنجز معماري، لدينا في سورية ما هو أكثر تماسكا وربما جمالا، لكن بينما كان يأتي لتلك الأوابد بضع مئات الآلاف من الزوار ( أيام اللولو)، كان ولايزال يحج الملايين إلى أوابد أثينا ، حتى صارت هذه المقاصد مصدرا أساسيا من عوائد السياحة، ومصدرا مهما للدخل القومي اليوناني.. فإلى ماذا يعود هذا البون الهائل؟
لا تسعفني الذاكرة سوى بانتقام الزباء والعبابيد أعمالا درامية عن تدمر السورية، بينما تحفل المكتبة السينمائية بأعمال خالدة من ” أوديب ملكا” لبازوليني، إلى النسخ المتعددة لطروادة، وصولا إلى فيلم الرسوم المتحركة ” هرقل”..
نحن نبحث كمتلقين عن أصل أو نيجاتيف الصورة المستقرة في قعر ذواكرنا، عن أصل قرأناه أو شاهدناه في مختلف الأعمال الإبداعية، وللأسف، نحن كسوريين لا نرسل الكثير من هذه المواد، وإن تم فإن إهمال الاستثمار المستدام فيها أهم سمة، وانظروا إلى مشقيتا التي باتت مقصدا سياحيا بعد أعمال الفانتازيا التاريخية .. بسبب الفساد، صارت عبارة عن تجسيد للقبح والجشع بأبنية متراكبة في كل متر حتى باتت القرية أشبه بإحدى العشوائيات المنفرة بدل أن تجسد مصيفا يصبح بحد ذاته جذابا.
على سيرة الفساد، خرب الوشاة في التسعينيات من القرن الماضي عملا ضخما كانت تنوي وزارة الإعلام إنتاجه عن حضارة أوغاريت بعنوان نداء المتوسط، لكن وأده تحول إلى درس منفر لكل من تسول له نفسه الاقتراب بعمل فني من عظمة سورية.
تلك الأعمال الخالدة حمت هوية اليونان .. أعلم أن كم منجزنا السوري (أو عن سورية) قليل، لكن هل حدث وأعلن عن ملتقيات أو منح لكتابة رواية عن هذه الحقبة من تاريخنا السحيق، أو عن هذه البقعة التي تكتظ فيها الآثار.. لولا رواية ” قطنا” لماريا كورانت وترجمة د. نبيل الحفار لم أكن لأعلم أن هناك مملكة بهذا الاسم في وسط سورية.
قبل هذا وذاك، وقبل رعاية الإبداع لأهميته الهوياتية والاقتصادية، يبرز سؤال إن كان من الأصل هناك تقدير للثقافة.. كل سنتين ثلاث نسمع عن اغتيال مكتبة لتحويلها إلى استثمار .. ثم يبدأ موشح التفجع على اغتيال الذاكرة والثقافة .. يتم فيه الغمز من قناة أصحاب هذه العقارات كما لو أن على كل من يعمل في المجال الثقافي أن يكون رسوليا، أو مترهبنا، بينما المطلوب دعم حكومي يغطي جزءا من الأرباح المفوتة فيما لو تم قلب هوية الاستثمار..
لست متأكدة من صحة ما قيل عن إغلاق مكتبة النوري.. لكن إن لم يحدث حتى الآن فسيحدث في قادم الأيام، هو خنجر إضافي يغرزه بروتوس السوري في جسد(نا) قيصر لكن دون أعمال خالدة.