هاشتاغ – رأي- لجين سليمان
منذ أن تولّيتُ مسؤولية اتحاد الطلبة العرب في جامعتي الصينية، وأنا أستيقظ كلّ يوم على كمٍّ من الرسائل، تتضمن طلبات مختلفة حول إجراءات إدارية متعددة، كنت أحاول الإجابة عليها بشكل وافي ومتكامل كي يحصل كل طالب على ما يريد، ولم أكن أنسى استخدام كلمة “يا ابني” مع الإجابة على كل طلب، فقد كانت تمنحني شعورا قوياً بأهميتي وأهمية الموقع الرفيع الذي أشغله.
من الطلبات التي وصلتني، رسالة من أحد الطلاب العرب، ممن حصلوا على منحة دراسية في الصين، إلا أنهم لن يتمكنوا من الدخول إلى البلاد هذا العام، وذلك بسبب إجراءات إغلاق الحدود، التي بدأت منذ حوالي عامين ولم تزل مستمرة حتى يومنا هذا، ولذلك قرر هذا الطالب إيقاف تسجيله.
هي رسالة مكرّرة، كانت تصلني يوميا من الطالب ذاته، وكنت أجيبه دائما كما كنت أجيبه في السابق “لا تقلق يا ابني، أنا أعمل على الأمر، والإجراءات روتينية وبسيطة، لا داعي للقلق”.
وكان قد طلب مني أن أسأل المعنيين عن رأيهم بإيقاف تسجيله، وبالفعل نقلت رسالته بكل أمانة وسألتهم عن رأيهم وأخبرته بالجواب، ليعود ويطلب مني في اليوم التالي أن أذهب لأسألهم فيما إذا كان قد وصل الإيميل الذي أرسله، والذي أرفق فيه الأوراق المطلوبة لإيقاف التسجيل، وبالفعل ذهبت وسألت وأعلمته بالإجابة.
بعد ساعتين تماما أرسل لي قائلا “لم يردّوا على الإيميل بعد، فأخبرته “يا ابني الأمر يحتاج بعضا من الوقت، لا تقلق كل شيء بخير”، وما هي إلا ساعة واحدة حتى عاد وأرسل لي “هل أنت متأكدة من أنّ إيميلي قد وصل؟”
أجبته في قلبي “الله ياخدني يا ابني” وقلت له: “متأكدة، إيميلك وصل والموضوع قيد المعالجة”.
في ليل اليوم التالي كان قد أرسل ثلاث رسائل يتساءل فيها فيما إذا استجدّ شيء، لعنتُ نفسي على هذا “موقع المسؤولية” الذي ابتليتُ به، والذي لا ينفع في شيء سوى تلقّي الطلبات، ووددتُ لو كان بإمكاني الاعتذار من كل المسؤولين الذين كتبتُ عنهم مقالات صحفية في السابق واتهتمهم بالتقصير، وفي اللحظة الأخيرة وفي محاولة صعبة لضبط النفس أجبته “هل تعتقد أن ثمّة موظف سينهض في منتصف الليل في الصين ليجيب على طلبك…عليك أن تنتظر”.
بدأ الشاب بالاعتذار والتبرير قائلا “أنا في حاجة، ولو لم أكن مضطرا ما كنت لأطلب، في السودان لا يتوفر لدينا إنترنت جيد، ولذلك لا أستطيع الدراسة والتعلم من هنا”.
وعندما أكدّت له أنّي لم أنس الموضوع وأعمل عليه، شكرني قائلا “عذرا، لكني لست متأكدا أنك تعملين”.
تعمّدت ضبط نفسي مرة أخرى وأجبته “لا تقلق سيكون كل شيء بخير”،
وبدأت أفكر في سبب شكّ هذا الطالب؛ مالذي دفعه إلى الاعتقاد بأني لا أعمل لصالحه، وهل هي ميزة شعوبنا العربية التي لم تعد تثق بأي مسؤول؟
أصرّيت على أن أظهر تقبّلي لكل ما يبديه من تذمّر ويطلقه من اتهامات في وجهي، لسببين؛ الأول أنه أثار حزني؛ فهو طالب من بلد لا تملك أدنى مقومات الحياة، فكيف سيتمكن من الدراسة “أون لاين”، وثانيا لأنه عربي اعتاد على المعاملة غير الحسنة من قبل من يتحكمون بمصيرنا، وثالثا لأني أريد أن أرى هل سيستمر فعلا بالشك فيما إذا قابلته بنوايا طيبة!.
بعد يومين من الاستفسار المتواصل من قبله، جاءه الرد بالموافقة على طلبه وبأنه لا مانع من توقيف تسجيله لهذا العام. شكرني قائلا “شكرا لك، لقد وضعوا الشخص المناسب في المكان المناسب بالفعل”، فأجبته “أنتم من وضعتموتي، أنسيت أنني منتخبة؟”،
فرد قائلا “لم أنس ولكن لم أتوقع منك أن تقدمي أو تؤخري كما هو الحال مع من سبقك”.
في النهاية شكرته على ثقته هذه، وطلبت منه أن يثق بنفسه أيضاً وبأهمية صوته، لأنّه وبالرغم من موت الحياة السياسية في بلداننا العربية، وانعدام الثقة بالسياسيين، فإنّ هذه العقلية ربما كانت أحد أسباب توالد أنظمة تؤخّر ولا تقدّم، والتي أنتجت أيضاً شعوبا لا تثق حتى بأصواتها الانتخابية.