هاشتاغ سوريا _ إيفين دوبا
رغبةً منها بتنفيذ بعض المشاريع الخدمية، والتي تعود بالمنفعة العامة، تسعى العديد من الجهات العامة إلى استملاك بعض الأراضي الخاصة، وبعد تشكيل لجان عدة حول هذا الموضوع، يقر الاستملاك، ويتم في أغلب الأوقات تقسيط المبلغ المتفق عليه إلى خمس سنوات، مع العلم، أنه وبحسب الدستور المعدل عام 2012 فإنه في حال تقسيط المبلغ المحدد لدفعه من قبل الجهات المستملكة، يجب أن يدفع ضمن الأسعار الرائجة وبما يضمن حق المواطنين.
هذا من الناحية النظرية، أما على أرض الواقع، فإن ما يحدث هو أن هذا التقسيط في أغلبه يظلم المواطن الذي استملك عقاره، لذا من أجل تفادي هذه النقطة، يرى بعض الخبراء ضرورة أن يتم تحديد قيم الاستملاك للأراضي التي تم استملاكها خلال العام من قبل الوزارات والمؤسسات، ومن ثم تقديم الرقم النهائي إلى رئاسة مجلس الوزراء ومجلس التخطيط، ليتم اعتماده ضمن موازنة العام الذي يليه، وهو ما يضمن عدم ظلم أي من الأطراف وفي مقدمتها المواطن.
استملاك.. ومنفعة عامة!
في تعريف الأرض المستملكة: هي الجارية بملكيات خاصة أو شبه خاصة، والتي ترغب أي من جهات القطاع العام باستخدامها للمنفعة العامة. وأوضحت المادة الثالثة من قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983 المقصود بالنفع العام، وحددت عشرات الأسباب له، كإشادة الطرق والجسور والمشافي والمدارس والجامعات والثكنات العسكرية ودور العبادة، والمراكز الثقافية والأندية الرياضية، ومنشآت النفط والغاز والماء والكهرباء. إلا أنها أضافت أيضاً إلى النفع العام إقامة المنشآت التابعة لحزب البعث الحاكم، والمنظمات الشعبية المنبثقة عنه أو الرديفة له.
وحول هذه النقطة، يقول ابراهيم دياب، مدير التنظيم في محافظة دمشق، في تصريح خاص لـ”هاشتاغ سوريا”، إن هذه المادة مهمة جداً، وهي تعد أساس عمل الاستملاك، حسب القانون الناظم له، حيث وبعد الاتفاق بين مالكي الأرض والجهة التي تنوي الاستملاك، يتم تقييم سعر الأرض من قبل لجنة خاصة مؤلفة من قاض، وممثلين عن الأهالي، وبعد طرح السعر، وتقديره من قبل تلك الجهة، يترك المجال مفتوحاً أمام تقديم الاعتراض للجنة التحكيمية التي بدورها تدرس حق من يملك أسباباً موجبة للاعتراض، وإمكانية تنفيذه.
لكن، بعد الاتفاق على ثمن الأرض المستملكة، وانتهاء فترة الاعتراض، لا يحق لصاحبي الأرض التقدم بأي اعتراض، وهم بالأحرى لا يعرفون الجهة التي يتم تقديم الاعتراض لها، بعد انتهاء مهلة الاعتراض، حسب قول أحد المتضررين من موضوع الاستملاك.
التقسيط و”بيت القصيد”!
بعد استملاك عدد من الجهات الحكومية لبعض الأراضي، وجدت تلك الجهات في تقسيم مبلغ التعويض للمالكين القدامى، أمراً لا بد منه، وحسب تلك الجهات أيضاً، يتم توزيع المبلغ على خمس سنوات.
وهذا المبلغ المتفق عليه، لا بد من تقسيمه، حسب قول دياب، وبحسب القانون رقم 10 لعام 2018، والذي هو نسخة مُعدَلة من المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012، فإن القانون يسمح لجهة الاستملاك أي الجهات العامة، أن تقتطع مجاناً ودون تعويض، ربع مساحة العقار المُستملك، كما يسمح بتسديد تعويضات الاستملاك خلال خمس سنوات من تاريخ صدور قرار الاستملاك، ويسمح بتسديد هذه التعويضات بالتقسيط.
لكن، الأساس في هذا التقسيم، كما يقول المهندس حسام الصفدي، وزير الإسكان السابق، في تصريح خاص لـ”هاشتاغ سوريا”، أن يكون ضمن الأسعار الرائجة، وهو ما حدده الدستور المعدل لعام 2012، ومع هذا، لا تنفذ هذه المادة العديد من الجهات وهنا “بيت القصيد”!.
التقسيم.. ظالم وتمييزي!
لكن، ومع هذا، يعود وزير الإسكان السابق، ويؤكد مرة أخرى، أن فكرة تقسيم المبلغ، سابقاً لم تكن مطروحة، كون المبالغ التي كانت تدفع بدل الاستملاك قليلة، أما اليوم، ونظراً لأن المبالغ أصبحت مرتفعة، تم اعتماد تقسيم المبلغ مدة خمس سنوات، لكن، هذه الفكرة، حسب قول الصفدي، جائرة وظالمة وتفرق بين الناس، مضيفاً: “من الضروري دفع المبلغ بشكل فوري، ووفق ما حدده الدستور أي بشكل عادل”.
التأخير. متفق عليه!
وحول ذلك، يقول مدير التنظيم، إنه وبحسب تقييم الخبراء، تحال المبالغ المستحقة إلى البنك فوراً، وتودع بأسماء أصحابها من أجل دفعها مرة واحدة، وفي حال كان هناك تمديد في دفع المبلغ المتفق عليه، فهو يعود إلى الجهة المستملكة، وحسب العمل الذي تؤديه خلال مشروعها، وحول تقسيمها المبالغ المستحقة ككل، ضمن خطة عملها في الأرض المستملكة، وهذا كله يجري ضمن اتفاق محدد بين الأطراف كلها.
لكن هذا الاتفاق في أغلبه، لا يكون مرضي للطرفين، كما تقول إحدى مالكي الأرض التي استملكتها وزارة الصحة، والتي أكدت في حديث خاص لـ”هاشتاغ سوريا” أنه “وبعد الاتفاق مع وزارة الصحة على استملاك الأرض التي تم بناء مستشفى الأطفال الموجودة حالياً، والسكن الخاص بها بجانب المستشفى، منذ أكثر من 40 عام، لم يتم تقدير القيمة المستحقة للأرض كما يجب، بل تم تعويض المالكين بقطعة أرض صغيرة في منطقة المزة، بالقرب من مستشفى 601، وهذه الأرض لا يمكن أن توازي قيمتها لتلك الأرض المقام عليها مستشفى”.
وتضيف:” لازلنا حتى اليوم، نطالب بأن تكون القيمة المالية للأرض المستملكة موازية للأرض التي تم منحها لنا، لكن دون جدوى.. وهذا ظلم كبير بحقنا”.
جهات مستملكة.. غير صادقة!
هذا التقسيط أو التأخير لا مبرر له ما دام أن هناك كتاب اعتماد لاستملاك أرض ما من قبل الجهة التي تود الاستملاك، كما يرى وزير الإسكان السابق، وهو حتماً يتضمن المبلغ الواجب دفعه للأهالي، بما أنه يكون ضمن الاعتمادات المتاحة لتلك الجهة، وبالتالي لا مبرر للتأخير، وإلا تكون الجهة المستملكة “غير صادقة” في ضرورة استملاكها لأرض لا تملك ثمنها.
ويضيف الصفدي: “أن إحدى الثبوتيات المطلوبة لاستملاك الأراضي أن يكون هناك اعتمادات لدفع النفقات المطلوبة للاستملاك، وحين تأتي خطوة دفع المستحقات للمواطنين تقول تلك الجهات أنه لا اعتمادات موجودة”. وهذه النقطة تحديداً، يعدها الصفدي، مخالفة لمادة الدستور، ويجب أن تعاقب عليها تلك الجهات.
تقسيط لا يظلم أحداً!
في هذا الوقت، يرفض مدير التنظيم في محافظة دمشق، الوقوف عند مسألة التقسيط، وهي حسب رأيه لا تظلم أحداً، وفي حال تأخرت الجهات المستملكة عن الدفع، إنما يكون هذا التأخير لأسباب خارجة عن إرادتها، أو أمور مستجدة في المشروع.
ولتفادي مثل هذه الأسباب أو المستجدات وجدت بعض الوزارات في ضرورة أن يكون دفع المبالغ المستحقة من ضمن الموازنة العامة للدولة؛ بحيث تسعى كل وزارة خلال العام إلى اعتماد القيم المطلوبة من أجل القيام بمشاريعها، ومن ثم تقديمها إلى رئاسة مجلس الوزراء، ليتم تقديم المبلغ دفعة واحدة، وهذا جزء من الحل كما يصفه وزير الإسكان السابق.
اعتمادات من الموازنة!
وزارة الإدارة المحلية، كانت قد وجهت كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء، المتضمن الموافقة على جدولة المبلغ المترتب نتيجة بدلات استملاك على عدة سنوات، وأن يتم إضافة المبلغ المحدد الذي سيتم الاتفاق عليه بين وزارتي الإدارة المحلية والبيئة، والمالية، وهيئة التخطيط والتعاون الدولي لعام 2020، على بدء الاستملاك في الموازنة الاستثمارية لوزارة الإدارة المحلية والبيئة، وذلك إما من الاعتمادات الاحتياطية للمشاريع الاستثمارية لعام 2020 أو من فوائد الجهات العامة المتوفرة نهاية 2020، ووفقاً للإمكانيات المتاحة، واقترحت اللجنة جدولة المبلغ المترتب نتيجة بدلات الاستملاك على خمس سنوات، وإضافة المبلغ المخصص لعام 2020، والمبلغ (2.5) مليار ليرة سورية من الاعتمادات الاحتياطية للمشاريع الاستثمارية لموازنة 2020.
خطوة مهمة..
هذه الخطوة التي قامت بها وزارة الإدارة المحلية والبيئة، يجب أن تتبعها باقي الوزارات، حيث يتم تحديد قيم الاستملاك للأراضي التي تم استملاكها في السنة السابقة للوزارات والمؤسسات، ومن ثم يقدم الرقم النهائي إلى رئاسة مجلس الوزراء ومجلس التخطيط، من أجل اعتماده ضمن الموازنة القادمة، وهو ما يضمن عدم ظلم أي من الأطراف.
ففي حال كانت قيم الاستملاك قليلة، يجب ألا يتم تقسيطها، وأن تدفع مباشرة، أو كما حددها الدستور حسب الأسعار الرائجة، وهو ما يجب الاتفاق عليه في أقرب وقت ممكن بين الجهات المسؤولة” وهذا الطرح يؤيده وزير الإسكان السابق.
إذاً، حان الوقت لإحقاق الحق، عبر ترجمة ما جاء بالدستور، والمتعلق بعمل قانون الاستملاك، مع الاستفادة من الخبرات القديمة، لإدراج تعويضات المستملكة أملاكهم الخاصة ضمن الموازنة العامة، فلا منفعة عامة على حساب مصلحة خاصة.