هاشتاغ-مازن بلال
سرقت تداعيات الحرب السورية التفاصيل الأولى للاضطراب، فالمسار التصاعدي غيب ردود الفعل التي حملتها وجعلها ذكريات ضبابية لأبعد الحدود، ورغم أن التطورات السياسية كانت طاغية وتشكل عصب السيناريو الرئيسي الذي سار بشكل متفاوت، لكن محاولة استرجاع بعض الأوراق الضائعة تبدو أساسية اليوم على الأخص أن أبعاد ما حدث تبدلت بشكل كلي.
عمليا فإن الخلاصة السياسية اليوم تتمحور على عمل اللجنة الدستورية التي ستنعقد وفق بعض المؤشرات نهاية العام الجاري، فالتغيير السياسي الجذري والحاد تم تقنينه ضمن مسائل الدستور وهو شأن لم يكن غائبا منذ البداية، لكنه ظهر على هامش التحول العريض الذي غلق الحدث السياسي وأنتج هيئات معارضة متعددة، ورغم صعوبة الربط بين بداية الاضطراب وما آل إليه الأمر إلا أن هناك مسألتين أساسيتين يمكن الإشارة إليهما:
ترتبط المسألة الأولى بنوعية التحول الداخلي الذي ترتب عنه بالدرجة الأولى إجراءات إقليمية صارمة، فعندما تم ربط الأزمة السورية بالإطار العام لما سُمي بالربيع العربي كانت التوقعات تتجه نحو تغير سياسي سريع، وهذا الموضوع كان حاضرا في أذهان المنخرطين في الأزمة لكنه على مستوى الاستراتيجيات السياسية لم يكن ضمن السيناريوهات المتداولة.
أقرأ المزيد: العتبة الصينية..
في أحداث تونس ومصر ظهرت الاضطرابات وانتهت بشكل عادي، بينما في ليبيا اتجهت نحو حالة عنف أدت لتدخل غربي، بينما كانت سوريا شكلا غير مسبوق خلق اضطرابات إقليمية، ومن المؤكد أن العواصم الدولية كانت تعرف أن الحرب في سوريا لن تمر في نفس السيناريو الليبي، وكانت تدرك أيضا أن المسار الخاص للأزمة سيتخذ منحى إقليمي حاد؛ بعد أن تم دفع الجامعة العربية للتعامل مع سوريا وفق شكل قاس وغير مجدي، وغدت الأزمة شأنا دوليا يتربع على “التوازن العالمي”، فالأزمة بذاتها لم تكن بنفس أهمية تقديم نموذج للتعامل مع الاضطرابات الدولية، فالصراع في مجلس الأمن واستخدام “الفيتو” بشكل متكرر كان صراعا دوليا على طبيعة اتخاذ القرارات في المسائل الدولية وليس على سوريا تحديدا.
أقرأ المزيد: تصورات رفع الحصار
المسألة الثانية كانت في التشابك الإقليمي الضاغط حتى على القرارات الدولية، فوسط احتدام الصراع الإقليمي وقعت إيران مع المجموعة الدولية “الاتفاق النووي”، وكان من المفترض أن يكون هذا الأمر “نموذجا” أيضا في مسألة حل الأزمات، لكنه مر بشكل مربك وزاد من التعقيدات الإقليمية.
ضمن تصور أولي فإن الاتفاق النووي الإيراني يملك خللا جوهريا في طبيعة ارتباطه بأزمات المنطقة، فهو يمثل عودة التفاهمات الدولية مع طهران لكنه في نفس الوقت لا يقدم أرجحية لإيران ضمن توازن القوى الإقليمية، وهو ما أبقى عملية التصعيد في سوريا واليمن، وسقط الاتفاق بمجرد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
حدود الوضع الإقليمي لسوريا اليوم يرتبط إلى حد بعيد بالسنوات الأولى للأزمة وطبيعة التفكير الدولي بالتوازنات المتوقعة، وفشل النماذج الدولية وصل إلى ذروته مع بداية الحرب الأوكرانية التي أنهت “الحوارات” السياسية وإمكانية الوصول لعالم متعدد الأقطاب بشكل سلس، وبالتأكيد فإن أحد ضحايا هذا الفشل كانت سوريا التي بدأت أزمتها من جديد ولكن على إيقاع عسكري وليس سياسي.