هاشتاغ – رأي: نضال الخضري
وسط الجدل العقيم حول الحرب تنتهي المسافات كلها وتتبدد أرواحنا في التهويمات والاتهامات، ونتوقف عند الموت وكأنه أمر مستحدث فذاكرتنا طوت كل أوراق النكبات، ولأن بيروت ودمشق لا تحتملان الماضي الكئيب فإننا نتناسى كل التفاصيل، وحالات عدم الأمان التي رافقت أجيالاً سبقتنا، أو لامستنا ونحن ننظر للطائرات والقذائف ولكل أشكال القتل التي مرت بنا فنجونا، ودفنا أصدقاء وآباء، ثم نسينا أن العدو لا يبحث سوى عن صور الفناء التي تليق بنا.
من ينتظر الزمن الجميل فعليه تذكر أنه ولد فوق أرض يعتقد الجميع أنها ملكه، ويريد أي غريب أن يفترشها لأن أجداده عبروا فوقها، ففي الجغرافيا التي رسمتها الكتب المقدسة على أنها “بقعة” كونية يقف الجميع ويترقبون “الاستباحة، أو يتلهون بجدل الحرب الإقليمية وبصورة الشرق الأوسط عندما تزاح بعض القوى الإقليمية خارجه، وكأن “إسرائيل” وافد جديد يخشى “المجتمع المدني” ووسائل التنمية وأشكال الديمقراطية التي نتصارع عليها، أو كأن العدو حالة منسية لم تظهر إلا عندما أخفقت حالة “الحوكمة” في بلادنا.
التصورات كلها اليوم هي افتراض مسبق لوضع عجزنا وإخفاء صورة العداء الأساسية، وما نجمعه من تحليلات هي فقط لتبرير “الكسل” الذي تأصل فينا نتيجة عدم قدرتنا على فصل المساحات ما بين العدو والخيالات التي تهوم بنا، فخسارتنا المعارك لم تكن يوماً لأننا في موقع متأخر في جدول “الشفافية” العالمي، أو حتى لأننا أخفقنا في عمليات “بناء الدولة”.
القضايا الداخلية كلها محقة وكل انحسار للحروب داخل عجزنا الداخلي هو نوع من التلهي أمام أشلاء من يقتل في دمشق وبيروت وغزة، فنحن و”إسرائيل” دروب لا تلتقي إلا بمعركة سواء كانت “إيران” أم لم تكن، وفوق أرضنا ما يستحق التفكير قبل استخدام القوالب الجاهزة والحلول المعلبة للمنظمات الدولية، وفي مساحات التاريخ القريب صور ممتدة منذ ثورة 1936 وحتى اليوم لا تحمل معها أي استراحة، أو توقف عن الاستباحة.
عندما تصبح الحرب ملاحقة لأشخاص منتشرين على طول الوطن فإنها تعود بآليات مختلفة لزمن العصابات، وللإرهاب الذي حملته مجموعات “شتيرن” و “الهاغاناه” وغيرها منذ زمن ليس ببعيد، وعند هذه النقطة تصبح النقاشات حول الأدوار الإقليمية تراجيدياً، لمن يعتقد أن هناك دولة ما مسؤولة عن حرب بدأت أول القرن الماضي ومازلنا نتعثر في درء مخاطرها، فعندما لا نملك السلاح فربما علينا مراجعة ممكنات نملكها لكنها مهدورة فوق الجدل البيزنطي لمن تسبب في الحرب الحالية.
لا تحتاج “إسرائيل” إلى مبررات كي تقتلنا أو تحشرنا في مساحة واحدة من الحياة، وبالتأكيد نحن وحدنا مهما وقف البعض إلى جانبنا، فهذه معركتنا وهي اختبار لأحقية وجودنا، وفي الحرب مع “إسرائيل” لا توجد “سياسات ناعمة” توقف السردية “الإسرائيلية” حول حقوقها التاريخية؛ بل هناك واقع يفضح ضعفنا أو تحميل كل الخسارات والاستباحة التي يمارسها العدو ضدنا لحالة من الخذلان الإقليمي ففي النهاية الحلم “الإسرائيلي” مرتبط بأرضنا وليس بأي بلد آخر.