هاشتاغ -رأي: نضال الخضري
من ردود الفعل التي يمارسها الجميع على وسائل التواصل الاجتماعي تبدو “الهزيمة” حالة مقررة سلفا، فهي الشكل المطلق الذي تؤكده الصور الإعلامية كلها بصخبها منذ انطلاق المعارك قبل عام، وعلى الرغم من أن الموت لا يفارق غزة، وهو مستوطن اليوم في لبنان، لكن الهزيمة في عقولنا ليست وليدة الحدث، بل يبدو أنها مفهوم تبلور منذ عقود، وإذا كانت الأخبار والتحليلات تريد إقناعنا بالعجز أمام سطوة القتل “الإسرائيلية” فهي بالوقت نفسه تسعى إلى رسم مفهوم الهزيمة أيضا.
لا أحد يدعي النصر في ما حدث منذ السابع من تشرين الأول العام الماضي، فثمن بقاء الغزيين في أرضهم كان باهظا، لكن الصورة الأساسية لمعادلة القتال غير المتكافئة هي خارج ساحة المعركة، وتبدأ من الإعلام الذي يركز على أن المعركة مرتبطة بنتنياهو بالدرجة الأولى، ويتجاهل الهشاشة السياسية التي رافقت الحرب، وعدم إدراك أن التعامل مع القوى الباقية في مواجهة “إسرائيل” أصبحت تخضع لعوامل سياسية ومواقف إقليمية، فالهزيمة بدأت من لحظة انتهاء رؤية “إسرائيل” كانعكاس للضعف وليست قوة قهر مطلقة.
لا يختلف الصخب الإعلامي ما بين الشرق والغرب، فالمعادلة التي يقدمها هي صورة التفوق، على الرغم من أنه نتيجة انتهاء الإجماع المعنوي على الأقل بأن “إسرائيل” ليست خطرا محصورا في مساحة محددة، إنما واقع فرضته عدم القدرة على رؤية الخطر، ورسمه بصورة ليست عسكرية بل ثقافية بامتياز، فالصخب الإعلامي رسم لنا المعركة من بدايتها حدثًا معزولًا لا يرتبط بالمكونات كلها التي شهدناها منذ عقود، وارتكزت خلال السنوات الماضية على هشاشة الرؤى السياسية المنتشرة حولنا.
بالتأكيد فإن التصورات السابقة منذ حرب 1948 لم تكن ناجحة، ولم تحمل انتصارا لكنها في المقابل حافظت على الحد الأدنى من المسؤولية تجاه المخاطر، وعلى إدراك ولو قليل بأن “إسرائيل” ليست مسألة عابرة وحربا يمكن أن تعبر بسهولة حياتنا، فهي قضية حيوية تطال طريقة تفكيرنا بوجودنا ونظرتنا إلى المستقبل، فكل المآسي التي عشناها منذ تأسيسها هي اختبار قاس لطبيعة تفكيرنا وليست هزيمة مطلقة على الرغم من التفوق العسكري والتقني الذي تملكه “إسرائيل”.
كيف نقنع الإعلام أن ما يجري ليست حربا داخل السياسة “الإسرائيلية” بل مواجهة ثقافة الهزيمة التي تخنقنا، فما نراه اليوم لا ينفع معه التفكير بـ”المطلقات” وبأن قدرا محتوما يحيط بنا، فبعد تلك الدماء كلها هناك تصورات جديدة علينا خلقها من دون التفكير بالضجيج الإعلامي، فـ”إسرائيل” تتحول اليوم على الرغم من كل صور الموت الذي تزرعه، وهو تحول مرتبط بها ولكن علينا خلق تحولنا الخاص الذي يكسر مطلقات “الهزيمة” و “النصر”، ويرسم أفقا آخر لصراع يريد البعض إقناعنا بعبثية التعامل معه، لكنه في عمقه يمكن أن يعيد رسم شخصيتنا ورؤيتنا، فالحرب لم تبدأها “حماس” ولم تغذيها “إيران” وهي ليست شكلا طارئا يمكن خلقه بحدث عسكري ظهر في غزة، فهي حرب في ذاتنا ولذاتنا كي نعيد رسم تفكيرنا من جديد.