هاشتاغ – نضال الخضري
تعبر المراحل السياسية مثل طيف لا يترك ثانية هدوء، وتبقى الصور القادمة مليئة بخطوط متداخلة يصعب تفسيرها، وما بين الماضي والحاضر فإن القلق أصبح هاجساً سورياً بامتياز، وغدت هوية الوطن الشكل الذي يتأرجح ما بين الماضي والإيقاع القاسي للحاضر، فهواجس السوريين تلوح في مساحة واحدة من عدم القدرة على فهم أمنهم أو قدرتهم على البقاء.
كل الأيام التي قضيناها نبحث عن مسارنا ربما تبخرت أو كانت عقيمة لا تحمل معها أي شكل قادر على خلق حلم يستطيع الصمود، أو أرض نتملكها ونقيم عليها مجدنا الخاص، ونترك أبناءنا يصنعون عليها مغامرة وجودهم فرواية سوريا تطول بقدر العجز الذي يلفنا عن رسم صورتها في عقولنا، وجعلها أيقونة للجميع وليس لجماعة واحدة أو ثقافة خاصة، فالعبور لزمن جديد هو في النهاية “مخاطرة” سورية فريدة، تأخذ الجميع لمساحات مختلفة.
التجربة الفريدة التي يمكن أن ندخلها اليوم ليست مجرد حالة خاصة فقط، بل هي أيضاً اختبار حقيقي لكل الثقافة التي حملتها سوريا خلال مراحل التاريخ، ولكل ما يمكن أن تكتسبه الأجيال القادمة أو ما تخسره أيضاً، فنحن نقف على حدود التجربة، ولا نعرف بالضبط أين سيقف المستقبل، فمع اختلاط المسافات والرؤى هناك خيالات مريضة تتسرب أحياناً أو تتشابك لتخلق كوابيس مختلفة.
ليس هناك زمن ذهبي سوريا، فهناك قفزات تاريخية عاشها السوريون منذ فجر التاريخ، وفي المقابل هناك الخيبات التي ترافقنا اليوم ليس بسبب زمن انتهى بل لأننا لم نختزن في التفكير أي ألوان إضافية يمكن أن تساعدنا في المراحل الصعبة، أو في الأزمنة التي لم نشهدها وتحمل من القسوة أو حتى من الغموض ما يجعلها قلقاً يكسر ما نملكه من اليقين.
نحن لسنا تاريخاً تسرده المناهج المدرسية، فالكتب الدراسية لا تحمل معها الروح التي اختزنها الماضي، لكنها تحفز الحاضر لقراءات جديدة، وتجعل الأجيال قادرة على البحث في مساحات الحرية، وعندما يحاول البعض “سجن المعرفة” أو “كسر الماضي” فإنه سيحفز من جديد طاقة بناء الحل خارج أسوار الرقابة أو تحديد الملامح المسبقة للقدرة على التفكير، فالمراحل السياسية التي تمضي سريعاً تترك فينا قلق المعرفة، وكل أشكال الريبة التي تبدأ وتنتهي بالوجود المحكوم بالارتقاء.
مساحات الحرية التي نحلم بها هي بذاتها معرفة، وهي تركيب معقد من الماضي وملامح الحاضر، وهي أيضاً بريق عيون الأطفال وأحلام المراهقات، فكل الطيف الذي يمكن أن تخيله للحرية يجب أن نعيشه حتى نستطيع إيجاد عالمنا الجديد الذي يحمل إبداعاً غير مسبوق، وفي كل الدروب السورية هناك طاقة حرية مخزونة.
في عام مضى كنا نشاهد الانهيارات الكبرى، وربما عاشت قناعاتنا أصعب اختبار لأنها ودعت عالماً ربما لا يعود، وعلى إيقاع تلك النهايات الصعبة عليها أن تشكل من جديد عوالمنا التي بدأت مع بداية هذا العام.