أعاد قرار الرئيس الأميركي، جو بايدن، تعيين بريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في فريقه بمجلس الأمن القومي، إلى الأذهان الظروف والأجواء التي رافقت استقالته “المبكرة” عندما كان المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في أواخر عام 2018، احتجاجاً على قرار سحب القوات الأميركية من سورية.
“ربما تكون هذه الخطوة ضرباً من التصنع”، هكذا علق الرئيس السابق، دونالد ترامب، على استقالة ماكغورك، قائلاً، إنه لا يعرفه وإن سلفه باراك أوباما هو من عيّنه.
والخلافات بين الطرفين عديدة، ووصف مسؤول كبير في إدارة ترامب، ماكغورك، بأنه “مهندس الاتفاق الفاشل الذي توصل إليه أوباما مع إيران”.
وأثار قرار ترامب، غير المتوقع بسحب قواته من سورية، أواخر 2018، كثيراً من الأسئلة، مع أنها لم تكن المرة الأولى التي يشير فيها إلى هذا الانسحاب، إذ سبق أن تحدث عنه خلال حملته الانتخابية، وكرر موقفه في تغريدة على “تويتر” قبل أشهر من صدور القرار.
ولا يخفى على أحد أنه لم يكن هناك أي مؤشر على أن واشنطن تعمل على استراتيجية خروج من سورية، حتى ساعة اتخاذ قرار الانسحاب، في حين برره ترامب بهزيمة تنظيم “داعش”.
لكن هناك أسباباً أخرى للوجود العسكري الأميركي في سورية، سبق أن تحدث عنها الأميركيون أنفسهم، كمواجهة إيران وكسر نفوذها وحماية “إسرائيل”، إضافة إلى مسألة توازن القوى مع روسيا.
الأزمة مع تركيا
حظيت عودة ماكغورك، باهتمام سياسي وإعلامي لارتباط اسمه بفصول الأزمة مع تركيا، حليفة واشنطن الاستراتيجية، إذ قال عنه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عام 2015 إنه “يدعم بوضوح حزب العمال الكردستاني وامتداده السوري، إنه يعمل ضدنا”.
وفي أواخر عام 2017، فتح المدعي العام في أنقرة تحقيقاً بشأن ماكغورك، على خلفية مذكرة تقدمت بها منظمتان من منظمات المجتمع المدني التركية تطالبان فيها بتوقيفه بسبب “تواطؤه مع مجموعات إرهابية”، بناءً على اعترافات طلال سلو، المنشق عن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تشكل عمودها الفقري الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني.
وسبق أن كشف الجنرال ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة في الجيش الأميركي عام 2017، خلال جلسة حوارية على هامش مؤتمر “إسبين” الأمني في ولاية كولورادو، أن إطلاق تسمية “قوات سوريا الديمقراطية” كان بناء على طلب أميركي من أجل التغطية على اسم تنظيم “YPG” وارتباطه بحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تحاربه تركيا منذ سنوات، والمصنّف منظمة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة ودول إقليمية عدة.
مع الذاكرة السورية!
وصحيح أن اسم ماكغورك، ارتبط بالأزمات مع تركيا، إلا أن الوضع بالنسبة إلى السوريين شمال شرقي البلاد لم يكن أفضل، وذاكرتهم معه مرتبطة بعمليات تهجير وتغيير ديمغرافي، إذ كان العرب يشكلون غالبية شبه مطلقة في تلك المنطقة.
ومن ضمن ما اعترف به سلو، أن كل الأفكار كانت توضع من قبل ماكغورك، فأثناء عمليات تحرير الرقة طلب تشكيل قوة باسم “التحالف العربي”، مهمتها فقط استلام الأسلحة، وتم استلام كميات كبيرة منها بالفعل، غير أنه لم يوزع على العرب والتركمان والسريان سوى أسلحة خفيفة.
وأشار سلو، في مقابلة مع وكالة “رويترز”، إلى أن المبعوث الأميركي كان مؤثراً جداً منذ البداية، فعندما تم الحديث عن تحرير منبج اقترح تأسيس مجلس عسكري للمدينة، غالبيته من العرب، لإقناع الجانب التركي بأن أبناءها هم من يحررونها.
والنموذج نفسه اعتمد في الرقة، وعندما يقدم المقترحات كان يقول “علينا إقناع الجانب التركي”، مؤكداً ضرورة خلق صورة تفيد بأن العناصر على الأرض من العرب.
وفي السياق نفسه، قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر في أواخر عام 2015، إن بعثتها لتقصي الحقائق في شمال سورية، كشفت عن موجةٍ من عمليات التهجير القسري وتدمير المنازل، تُعد بمثابة جرائم حرب نفذتها الإدارة الذاتية بقيادة “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يسيطر على المنطقة.
وبات معروفاً للجميع دور ماكغورك، المؤثر في تشكيل سياسة واشنطن في شمال سورية خلال رئاسة أوباما، وتثار اليوم مع عودته الكثير من إشارات الاستفهام حول طبيعة المرحلة المقبلة، سواء في سورية أو تركيا وإيران وروسيا و”إسرائيل”.
ويمضي بايدن، قدماً في السير على خطى أوباما، ومن المتوقع أن يعلن تعيين المزيد من قدامى المحاربين في إدارة الأخير، لا سيما بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ بعد نتائج انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا.
يبقى القول، إن واشنطن حافظت حتى اليوم على قواتها في سورية، ولم يتمكن ترامب من الانحراف كثيراً عن إرث أوباما السوري.
وما لا شك فيه أن لدى الولايات المتحدة أهدافاً إستراتيجية طويلة الأمد، إلا أن العالم الذي تركه أوباما ليس نفسه الذي ورثه بايدن اليوم.