هاشتاغ-مازن بلال
تحريك حاملات الطائرات الأمريكية نحو شرقي المتوسط يفرض سيناريوهات تختلف عن حروب غزة السابقة، فرغم نمطية الأعمال العسكرية التي بدأت بعد انتهاء الاختراق الذي حققته حماس، فإن المتغير الأمريكي عبر حشد القوات يبدو الوضع الإقليمي في حالة حرجة، فشرق المتوسط المنهك أساسا بعد سنوات الحرب التي خلفها “الربيع العربي؛ يظهر اليوم وسط احتمالات مفتوحة لحرب إقليمية ولتغيرات على مستوى التوازنات، فـ”إسرائيل” تحمل تصورا مختلفا بعد الاختراق الذي عاشته مع بدء “طوفان الأقصى”.
عمليا فإن الجولات الدبلوماسية سواء عبر جولة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، أو وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان تعطي مؤشرات بأن “الحرب الإقليمية” جزء من “مخاوف” الجميع، وفي نفس الوقت فإن حرب غزة الحالية لا تسمح بالتعامل مع أمن “إسرائيل” كما كان من قبل، فطوفان الأقصى ترافقت مع طفرة إعلامية على المستوى الأوروبي والأمريكي، فهناك رواية إسرائيلية سريعة الانتشار تشبه “السردية الأوكرانية” التي شيطنت روسيا وغيرت العلاقة معها في أقل من يومين.
أقرأ المزيد: أسئلة الحرب في غزة
على الجانب “الإسرائيلي” فإن التعايش مع المخاطر يتبدل وذلك مع التحولات ضمن محيطها، فهناك خطين أساسيين يمكن ملاحظتهما:
الأول أن عملية السلام لم تعد مجرد تأمين توازن لـ”إسرائيل” مع محيطها، فمنذ عقدين تقريبا وعلى الأخص بعد أحداث أيلول 2001 أصبحت عملية السلام جزءا من رسم جبهة أو تحالف في مواجهة الخلل الذي أصاب المنظومة الإقليمية مع تطور القوة الإيرانية من جهة، وتبدلات العلاقات ضمن شرقي المتوسط عموما.
عملية السلام أصبحت بالنسبة للإدارة الأمريكية خلال مرحلة جورج بوش الابن الإطار لمفهوم “الشرق الأوسط الجديد”، وأصبح تطويع القوى الإقليمية أولوية على حساب “حل الدولتين”، وكانت القمة العربية في بيروت 2002 تطرح مبادرة السلام في ظل حصار “إسرائيل” للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في رام الله، وهذه المفارقة بين منظومة عربية تعيش منظور السلام كما ظهر في تسعينيات القرن الماضي، والتفكير الأمريكي – الإسرائيلي للشرق الأوسط وذلك قبل عام من احتلال الولايات المتحدة للعراق.
أقرأ المزيد: أوراق ضائعة في الأزمة
المسار الثاني بدأ مبكرا مع الانتفاضة الأولى ثم الثانية التي اندلعت بـ “حماية” السلطة الفلسطينية، وكان هذا الأمر مؤشرا على أن حل الدولتين يحمل معه إمكانية لتبدل الصراع بشكل واضح، على الأخص أن مفهوم السلام بذاته “متنازع” عليه على المستويين الفلسطيني والعربي.
“طوفان الأقصى” كان ذروة الاختناق السياسي إقليميا وليس على المستوى “الإسرائيلي” فقط، فالحروب المتتالية ومنها حرب تموز لم تطرح أي أفق سياسي، وجاء الربيع العربي ليكرس التأزم الإقليمي، والتحشيد العسكري اليوم يهدف لخلق تداعيات تكسر سكونية المعادلات التي وصلت إليها المنطقة، والحرب الإقليمية فُرضت من اللحظات الأولى لعملية “طوفان الأقصى” وذلك مع الاستنفار العالمي خلف “إسرائيل”، والخروج من هذا الوضع يحتاج لتبدل إقليمي سواء عبر الحرب أو من خلال ما يفرضه الوضع القائم في غزة على المستوى الإنساني على الأقل.
الحلول “الإسرائيلية” تطرح مسألة الحرب الإقليمية وليس إرادة دول شرقي المتوسط، فهي لا تملك سوى خيار تغير القواعد السياسية لتعيد رسم علاقاتها بعيدا عن عملية السلام بشكلها الكلاسيكي، والتفاوض على “سلام” إقليمي عبر علاقات متصاعدة في الشرق الأوسط، واحتمال أن تكون حرب غزة بوابة عبور لهذا الواقع أمر يملك الكثير من الحظوظ بالحرب أو حتى بالردع الإقليمي الذي توفره الولايات المتحدة وحجم العنف والتسلط الإسرائيليين.