الأربعاء, أكتوبر 16, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةكلام الناسارتباك وصورة لسوريا

ارتباك وصورة لسوريا

هاشتاغ-نضال الخضري

ما يصلني من معارك شرقي الفرات يسابق أخبار المعارك ومساحات الاشتباك، فلا العشائر ولا الوحدات المسلحة ولا حتى حقل عمر النفطي يمكن أن يختصروا هذه الجغرافية، لأنها في النهاية مساحة مفتوحة لثقافة لم تكتب بعد، ولم توضع سوى في التفاقات السياسة أو حتى في “خط بروكسل” الذي رسم الحدود مع تركيا.

إن وجع الجزيرة السورية لا تكتبه المعارك إنما شكل السياسة التي تريد تصويره عبر طيف من الأحداث، وبشكل يكسر ثقافة كان مقدراً لها أن تنمو على ضفة نهر يمكن أن يلخص مجراه مسيرة تاريخ لا يتوقف على اشتباكات نشهدها اليوم.

في شرقي الفرات ظهر “البتاني” الذي سُمي أحد سهول القمر باسمه، وهو لون ربما يلخص اختلاط العلم بتاريخ لا يرحم، وبصور تسقط بالتقادم أو ترحل من الجزيرة السورية لأنها لا تحتمل “التصورات السياسية”، فواجهة العلم لا يعنيها طموحات آنية تنتهي عبر الزمان، والبتاني لم يكن فلكياً فقط، بل خلاصة ثقافية لمساحة من التداخل الحضاري، وهو أيضاً “عبء” تاريخي لم تتحمله “داعش” عندما اجتاحت الرقة فشوهت “النصب” الذي يشهد على وجوده، وبعد هذا التاريخ نسينا أو تجاهل العالم أن شرقي الفرات هو “طريقة تفكير” وليست مجرد ساحة صراع.

أقرأ المزيد: الأجيال المتعبة..

ربما من الصعب فهم المقاربة بين “مرصد” البتاني في الرقة، و “مراصد” اليوم التي تتبع تفاصيل ربما مهمة، لكنها في نفس الوقت تنسى أن نظرة البتاني إلى السماء هي التي منحتنا اليوم القدرة على معرفة موقعنا، وأن نظام GPS كان معادلات رياضة في أوراق البتاني، وأن أي شكل لشرقي الفرات سيبدو على خارطة الفلك والنجوم بلا معنى إذا انهارت المعرفة أو فقدنا “طريقة التفكير” بجغرافيا ليست معقدة بل مركبة ومتشابكة مع المعرفة.

في النهاية ما يصلني من الجزيرة السورية يعيد كتابة سردية قديمة تظهر اليوم وكأنها ابتكار فريد، فهناك مساحات لا يمكن أن نستوعب موقعها من القلب عبر الحدث السياسي، ولا نستطيع ابتكار فكرة عنها دون أن نغير لون التفكير الذي يربطنا بالمكان، ففي شرقي الفرات من العبث وضع “هوية” وفق اللون التقليدي، فهي هوية “فلكية” تشبه “البتاني” الذي كان قادراً على رسم مواقع لكنه فشل في الحفاظ على مرصده عبر العصور، فهي “هوية” العطاء وليس “الحدث” الذي نعتقد أنه جوهر حاضرنا، وهي اتساع المساحة بحجم الكون وليست خطوط تماس وقوات أمريكية تضع حواجز.

أقرأ المزيد: رواية خاصة بسوريا

أفهم أحداث شرقي الفرات على أنها ردة التفكير من المعرفة باتجاه الضيق الذي يلف سوريا اليوم، وربما تفصلنا عنها بضع كيلومترات لكنها تمنحني، وتعطي الجميع “اللون الفلكي” للجغرافية ومساحة معرفة لا تنتهي لأنها متشابكة مع كل أشكال المعرفة التي رافقت نهر الفرات من فجر التاريخ.

الارتباك أمام تلك الصورة السورية المأزومة يحتاج إلى كسر نمط التفكير، والانطلاق نحو أفق بعيد عن الاشتباك والمعارك لأنه “معرفة” لا تقتصر فقط على شرقي الفرات بل تلم المساحة السورية بأكملها.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة