الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمر"اسكبتلك دمعي بالكاس"

“اسكبتلك دمعي بالكاس”

كيان جمعة
عبّأتُ نصف كأسي الفارغ من علبة المتة المعبأة في سورية، والتي كنت جلبتها كرفيقة تؤنس وحشة غربتي، على أمل أن أكمل تعبئة الكأس بالماء الدافئ هنا في روسيا.
منحتُ الإبريق شوطاً إضافياً على نار المشع الكهربائي في محاولة أخيرة لكسر إحدى قواعد الكيمياء بأن تتجاوز درجة حرارة الماء درجة الغليان ولو بنصف درجة تماشيا مع حالة الطقس التي كسرت المعقول في شوارع هذه المدينة الملونة بالأضواء والتي انخفضت فيها الحرارة حتى 21 درجة تحت الصفر.
رتّبتُ بيئة الكتابة كما يرتبها شاعر مشتاق لملمس الورق، شحذتُ الأفكار لسكبها عبر لوحة المفاتيح، وجمعتُ خيوط الحبكة الدرامية لمقالي الأسبوعي الذي كنت قد عاهدت نفسي ورئيس التحرير أن ألتزم بإرساله مساء كل خميس.
وبينما أنا أهم بكتابة الكلمة الأولى ومن دون أي سبب واضح أو إنذار مبكر بدأت أغنية قديمة تطفو في عقلي وتصر على التشويش على أفكاري، وكلما حاولت كتم اللحن في دفتر النسيان، يأخذ بالنقر أكثر في جدران رأسي كأنه سرب عصافير دخل بطريق الخطأ إلى غرفة مغلقة محاطة بنوافذ زجاجية، تفصل بينه وبين الحياة.
هدأتُ من روع عصافيري وتوجهنا سوياً إلى محرك البحث الأشهر “غوغل” لعله يساعدني في إطلاق سراح زواري غير المهذبين، فالأغنية التي تعود إلى منتصف الثمانينات تقول “اسكبتلك دمعي بالكاس” وبعيدا عن جمال الأغنية التي قادتني إليها الطيور المزعجة ولحنها اللطيف، كأن رسالةً وصلتني من مجهول تقول “اشرب من دمعة عيني”.
في الحقيقة كنتُ أعرف حالات يملأ الدمع فيها العين، وحالات يملأ فيها القلب، لكن كيف لدمع أن يملأ كأسا؟.. وكيف لشخص أن يقدم دمعه للناس لو لم يكن دمعه حلواً أو لم يكن دمعاً سورياً بامتياز؟ وكيف لإنسان أن يمنح دمعه كحل أخير لحلمه لو لم يكن حلماً لا عودة منه، أو لو لم يكن حلا “انطولوجياً” لمشكلة وجوده، حلا لكل مشاكل حياته/حياتنا.
لو كان الحل بشرب كأس من دمعنا لكانت حياتنا بطعم الحلاوة، وليالينا بطعم الراحة، ولنسينا كل همومنا بكأس ليلة تقنين واحدة أو كأس ليلة انتظار على طابور خبز أو دور مازوت أو بخلاصة فائض دمعات 90 ليلة من انتظار رسالة الغاز، لو كان الحل بالدمع لكانت مشكلاتنا أحلى وأسهل وألذ مافي حياتنا.
سكبتُ الماء بعد أن أصابته خيبة البرد في كأس المتة المعبأ في سورية وعلمتُ أنه من الصعب لكأس مته خرج من سورية أن يكسر معادلة الكيمياء ويبقى دافئاً إلا بخلطه بالكثير من الدموع .

 

لمتابعة المزيد من الأخبار انضموا إلى قناتنا على التلغرام https://t.me/hashtags

مقالات ذات صلة