لدينا جميعاً لحظات متكررة، قد نشعر فيها بعدم الأمان بشأن جانب معين من مظهرنا وشكلنا، أو نعتقد أننا لا نبدو في أفضل حالاتنا، أو أننا نحتاج بعض “التحسينات”.
هذا طبيعي وشائع بين الكثير من الناس، ولكن إذا وجدتَ نفسك تقضي الكثير من الوقت في الهوس بما تراها “عيوباً”، أو أصبحت أكثر ميلاً إلى الاختباء، أو محاولة تصحيح ما تراه من “مساوئ”، فقد يكون لديك حالة نفسية تُدعى “اضطراب تشوه الجسم” (BDD).
اضطراب تشوه الجسم
على الرغم من أنها حالة نفسية تستلزم الانتباه والعلاج قبل أن تتفاقم، فإنه لا داعي للقلق،
فأنت لست وحدك، إذ إن حوالي 1 من كل 50 شخصاً يعانون اضطراب التشوه الجسمي، بدرجة أو بأخرى.
تؤثر هذه الحالة في الرجال والنساء على حدٍّ سواء، ومن جميع الأعمار، على الرغم من أن معظم الحالات تبدأ في مرحلة المراهقة المبكرة.
وبحسب مجلة Cleveland Clinic للصحة والطب، اذا كنت تعاني اضطراب تشوه الجسم، فقد تشعر كما لو أن هناك فجوة كبيرة بين إدراكك لجسمك، وبين ما يمكن أن يخبرك به أحبتك ودائرتك المقرَّبة عن شكلك وهيئتك.
وعلى الرغم من أنك تنظر إلى جوانب معينة من مظهرك على أنها غير طبيعية أو حتى قبيحة، فإن الحقيقة هي أن الآخرين لا يرونك بنفس الطريقة،
وفي حين أنك تعرف بشكل موضوعي أن أحباءك على حق، مع ذلك لا يمكنك الهروب من التوتر والقلق الذي تسببه صورة جسمك لك.
إذا كان هذا يبدو معبراً عنك، فهذا لا يعني أنك مجنون أو تعاني مشكلة لا وجود لها، إذ إن اضطراب التشوه الجسمي (BDD) هو اضطراب نفسي حقيقي، يمكن أن يتحسَّن بالعلاج والمساعدة.
وفي حالة الإصابة باضطراب تشوه الجسم، فقد يكون هذا “العيب” الذي يؤرقك هو جزء من الجسم، أو ملامح الوجه مثل الأنف، أو حيال الجلد (الشامات والنمش والندوب وحب الشباب).
كما قد يصل الأمر إلى التضرر من شكل العضلات وحجمها أو تناغمها، وحجم الأعضاء التناسلية وشكلها، أو الثديين.
أو الشعر (بما في ذلك شعر الوجه والجسم ومدى جمال شعر الرأس وتناسقه).
قد تشعر أنه لا يوجد ما يمكنك فعله لتشعر بتحسن في مظهرك -إلا إذا اضطررت للجراحة التجميلية مثلاً.
ولكن باستخدام تقنيات المواجهة الصحيحة والعلاج السلوكي المعرفي، يمكنك تطوير القدرة على “الخروج من أفكارك”، ورؤية نفسك ومظهرك بطريقة أكثر إيجابية.
أسباب الإصابة بالاضطراب النفسي
الأسباب الدقيقة لاضطراب تشوه الجسم غير مؤكدة بشكل قاطع، وفقاً لأطباء الصحة النفسية، ولكن من المحتمل أن تلعب العوامل الوراثية والبيئية دوراً.
إذ تشير الدراسات إلى أن 8% من المصابين باضطراب التشوه الجسمي (BDD) ،لديهم أحد أفراد الأسرة المقربين، الذين تم تشخيصهم بالاضطراب أيضاً.
ويوضح ذلك أنه قد يكون هناك مكون وراثي يزيد من فرص تطوير اضطراب التشوه الجسمي عند المصابين.
كما تشير الأبحاث وفقاً لموقع WebMD للصحة والطب، إلى أن بعض الأشخاص الذين يعانون اضطراب التشوه الجسمي لديهم مستويات منخفضة من الناقل العصبي السيروتونين.
علاوة على ما سبق، فإن المعالجة البصرية في الدماغ قد تختلف لدى الأشخاص المصابين باضطراب التشوه الجسمي، مما قد يساهم في كيفية رؤيتهم للصور أو إدراكهم للتشوهات.
كما أنه إذا تعرَّض شخص ما للتنمُّر والإساءة الجنسية أو العاطفية أو الجسدية أثناء الطفولة ومراحل المراهقة المبكرة، فقد يكون أكثر عرضة للإصابة باضطراب التشوه.
للثقافة التي نعيش فيها أيضاً تأثير كبير في تصوراتنا للجمال والمظهر الجسدي وتقديرنا لمستوى ملامحنا وأجسادنا بناءً على ما يُعرض على التلفزيون والمجلات وجميع وسائل التواصل الاجتماعي.
ويمكن أن تؤدي محاولة الالتزام بهذه المعايير إلى خلق مشاعر سلبية حول تقدير الذات واحترامها، خاصة إذا كان لديك ميول للكمال.
يمكن لهذا كله أن يزيد من الشعور بعدم الأمان بشأن مظهرك، لأنك تبالغ في تقدير جاذبية الآخرين.
وهو بدوره ما يتطور لحالات من القلق والاكتئاب والعار إذا كنت تعاني من اضطراب التشوه الجسمي، بحسب موقع Mayo Clinic للصحة.
علاج اضطراب تشوه الجسم
العلاج السلوكي المعرفي (CBT).
إذ يركز هذا العلاج على تغيير أنماط التفكير والسلوكيات التي تسببها الحالة.
سيساعدك معالجك على تحديد المواقف التي تسبب القلق ويرشدك لطرق تطوير آليات التأقلم الصحية.
في بعض الحالات، يمكن أن يكون العلاج بالعقاقير عاملاً مؤثراً ومهماً في رحلة العلاج من اضطراب تشوه الجسم.
وعلى الرغم من عدم وجود أي أدوية لعلاج الاضطراب على وجه التحديد، فقد اتضح أن مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين (SSRIs)، وهي نوع من مضادات الاكتئاب، قد تساعد في تخفيف الأفكار والسلوكيات الهوسية، التي تعتبر سمات مميزة لاضطراب نقص الانتباه ADHD.
كما قد تقلل تلك العقاقير أيضاً من أعراض القلق والاكتئاب التي تحدث غالباً مع اضطراب التشوه الجسمي.
وبالتالي عندما يكون عقلك أكثر راحة، قد تجد أنه من الأسهل التعامل مع العلاج المعرفي السلوكي والاستفادة منه.
وبشكل عام، يمكن من خلال ممارسة بعض السلوكيات الإيجابية أن تساعد في عملية التعافي من هذا الاضطراب النفسي، مثل:
- ممارس التعاطف مع الذات وتقدير النفس.
- كتابة اليوميات وملاحظة أسباب المخاوف.
- تجنُّب التعرُّض للمحتوى الذي يساهم في تقليل صورتك الذاتية.
- التأمل والاسترخاء والعمل على تقليل التوتر والقلق اليومي.
- الحصول على الدعم من العائلة والأصدقاء.