رأي – أيهم أسد
بدأت تحولات اقتصادية كبيرة تظهر في الاقتصاد السوري منذ تشكيل حكومة الإنقاذ، واتخذت كل تلك التحولات منحنى ليبرالياً متسارعاً من خلال العديد من الإجراءات المالية والنقدية والسعرية بالإضافة إلى تحولات طالت التجارة الداخلية والخارجية.
ومن الواضح أن هناك حالة قطيعة تامة مع النموذج الاقتصادي المشوه الذي كان سائداً وأن البنية الاقتصادية الجديدة لسورية ستكون مختلفة تماماً عما كانت عليه، وأن إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني سوف تتأثر كثيراً بالتوازنات السياسية الدولية القادمة.
ومن وجهة نظر الاقتصاد السياسي للمرحلة القادمة فإن إدارة الملفات الاقتصادية الكبرى في سورية لا يناسبها إلا نموذجاً اقتصادياً ليبرالياً مرناً جداً يستجيب بمرونة كبيرة لاحتياجات الفاعلين الجدد ويسرع من إدارة التغيير القادمة ويلبي مصالح جميع الفاعلين، وهذا ما سيعكسه أي دستور جديد لسورية في المرحلة القادمة من وجهة نظري من خلال المبادئ الاقتصادية الواردة فيه.
كما أن المرحلة القادمة لا يناسبها إلا حالة من الاستقرار الأمني والسياسي الداخلي، ولا يناسبها إلا توازنات سياسية داخلية وخارجية تتعلق في نهاية المطاف بإعادة توزيع المكاسب الاقتصادية للعملية السياسية للاعبين السياسيين الجدد في الاقتصاد السوري كالأتراك والقطريين والأمريكيين بالإضافة إلى أي نظام حكم قادم في سوريا، فمن يمسك سكين السياسة سيقطع كعكة الاقتصاد.
وبالتالي فإن الأطراف الدولية والمحلية التي أنهت النظام السياسي السابق ستعيد اقتسام سوريا الجديدة اقتصادياً فيما بينها ضمن توازن دولي وإقليمي جديد تكون سوريا جزءا منه بصيغة جديدة تماماً على أن توفر تلك الصيغة حماية أمن “إسرائيل” بشكل أو بآخر.
سوف يتركز الاقتصاد السياسي لسورية خلال السنوات الاقتصادية حول مجموعة أساسية من الملفات المركزية، وسوف تظهر مراكز القوة السياسية والاقتصادية الدولية مجدداً في الاقتصاد السوري من خلال تنازعها وتوافقها على إدارة تلك الملفات، وسوف يسعى كل فاعل سياسي دولي على الأرض السورية إلى تعظيم مكاسبه من التغيرات الجديدة، وسيكون مع كل فاعل أدواته السياسية الخاصة التي سيستخدمها عند حاجته لتحقيق مكاسب اقتصادية.
وأعتقد أن الملفات التالية ستكون بمثابة محركات الاقتصاد السياسي لسورية القادمة وستكون بمثابة ميدان للسيطرة والاقتسام:
أولاً: ملف إعادة إعمار سوريا وما يترتب عليه من اقتسام حصص إعادة الإعمار وتوزيع المنافع بين اللاعبين الجدد فيه كونه أحد أهم الملفات المحركة للاقتصاد السوري مستقبلاً وهو الملف واسع الترابطات مع كل قطاعات الاقتصاد.
ثانياً: ملف العلاقات الاقتصادية الدولية، وتحديداً العلاقات التجارية والاستثمارية والتمويلية مع الدول الإقليمية ودول العالم الأخرى وكيفية إعادة دمج الاقتصاد السوري في الاقتصاد الدولي، فهل سيتم تحويله إلى سوق استهلاكي تابع؟ أم ستتم إدارته بعقلية تنموية تنافسية؟
ثالثاً: ملف العلاقة مع المنظمات الاقتصادية الدولية وتحديداً مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الجاهزين تماماً للعمل في الاقتصاد السوري والممتلكين للمعلومات الكاملة عن بنيه واحتياجاته وتحديداً من حيث قطاعات العمل وتطبيق السياسات والالتزام بالشروط.
رابعاً: ملف إدارة الموارد الطبيعية وتحديداً النفط والغاز وطريقة التعاطي السياسي والاقتصادي مع الفاعلين الجدد في الاقتصاد وتحديداً آلية اقتسام تلك الموارد ومع من؟ فمن هي دول الامتياز القادمة وما حصتها وحصتنا من تلك الثروة؟
خامساً: ملف الحماية الاجتماعية وبناء منظومة حماية اجتماعية بمعايير استهدافية عالية تتناسب مع البنية الليبرالية الجديدة للاقتصاد، أي ما هي نظم الحماية المقترحة؟ ولمن ستكون؟ وكيف تمول؟
سادساً: ملف إعادة هيكلة الإدارة العامة للدولة الجديدة من خلال إعادة النظر بحجم الإدارة العامة ومؤسسات القطاع العام الاقتصادي، أي كيف سيكون شكل الإدارة العامة المستقبلي؟ وكيف سيكون حجم وملكية القطاع العام الاقتصادي؟
سابعاً: ملف الإنفاق السيادي، أي الإنفاق على تكوين القطاعات السيادية الداخلية والخارجية وتحديداً الإنفاق على المؤسسة العسكرية والأمنية والشرطية، فما هي بنية المؤسسة العسكرية القادمة بعد أن تم تدمير المؤسسة العسكرية الحالية؟ وما هي بنية المؤسسة الأمنية الداخلية المسؤولة عن تحقيق الاستقرار الداخلي؟ فإدارة هذا الملف ستحدد مدى السيادة السورية الجديدة الداخلية والخارجية.
يتهيأ الاقتصاد السوري لانطلاقة جديدة بالكامل لا يمكن التنبؤ بنتائجها الدقيقة قبل أن تستقر القوى السياسية الداخلية والخارجية فعلياً على الأرض السورية، وكل ما يمكن طرحه حتى اليوم هو استقراء عام لا أكثر، فالوقائع القادمة هي من تحسم؟