رأي – أيهم أسد
يبدو أن التوجه نحو تفعيل اللامركزية الإدارية والاقتصادية أحد الخيارات المطروحة بقوة اليوم في سوريا أكثر من أي وقت مضى؛ بل ربما يكون أكثر الخيارات مساهمة في دعم الاقتصاد السوري، ودعم استغلال موارده، ودعم الحكومة المركزية من حيث تخفيف العبء عنها في إدارة الموارد المحلية، وتوفير جزء من المال العام للمشاريع الوطنية الكبرى، وتركها تلتفت للقضايا الاقتصادية الكبرى كالطاقة والبنى التحتية المدمرة وإعادة الإعمار والبحث العلمي وغيرها.
ومن المعروف تماماً أن الغطاء القانوني لتحقيق اللامركزية الإدارية والاقتصادية موجود وواضح بموجب المرسوم التشريعي 107 لعام 2011 الناظم للإدارة المحلية في سوريا، والمعروف باسم قانون الإدارة المحلية؛ إذ أعطى ذلك القانون وحدات الإدارة المحلية صلاحيات تنموية واسعة جداً، ونقل دور وحدات الإدارة المحلية من الدور الخدمي الكلاسيكي إلى الدور التنموي المحلي، لكن النظام السياسي السابق عطل بطرائق مختلفة تلك الصلاحيات وبقي شديد المركزية في الكثير من الصلاحيات المالية والإدارية.
وكانت النتيجة هي تعطل النموذج الإداري اللامركزي وكل ما يرتبط به من اقتصاد وإدارة ومال عام، وبالتالي تعطل نموذج التنمية المحلية بحد ذاته واستمر حصر عملية التنمية في المراكز الحضرية الكبرى، واستمر التفاوت التنموي بين المحافظات السورية، الذي كان أحد العوامل البنيوية المسببة للأزمة السياسية التي انفجرت عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن بشكل دورات عنف متجددة.
هي فرصة كبيرة الآن للحكومة السورية الانتقالية بإعادة استثمار وتفعيل القانون 107 وإعادة تفعيل التنمية المحلية بوصفها نموذجا وطنيا تنمويا ولو في نحو تدريجي بنقل ما يمكن نقله من صلاحيات المركز إلى المجالس المحلية.
إن استثمار الموارد المحلية يعني إعادة تشغيل الاقتصاد المحلي وإعادة ربط المجتمع المحلي كأفراد ومؤسسات وممولين محليين وقطاع خاص بمواردهم، وذلك يؤسس لزيادة انتمائهم إلى تلك المحليات ويعزز مواطنتهم الاقتصادية أكثر ويحفزهم على صيانة مشاريعهم ومؤسساتهم المحلية والحفاظ عليها ومنع تخريبها لأي سبب كان.
وبالنتيجة، ستؤدي تنمية الاقتصاد المحلي إلى ترك الأفراد أعمال العنف والأعمال غير المشروعة وتوجههم إلى الأعمال الاقتصادية التي تحقق لهم عملا منتجا ودخلا جيدا وكرامة إنسانية واستقرارا اجتماعيا، وسوف تتعزز دورات الأعمال بدلا من تعزز دورات العنف في المجتمع، وسينخرط البشر في علاقات إنتاج محلية وبين محلية على المدى البعيد بدلاً من انخراطهم في علاقات نزاع وصراع غير مجدية إنسانيا، وحينها فقط يتحول الاقتصاد المحلي إلى أداة لبناء السلام وتمتين الهوية الوطنية، وسنصل في النهاية وإن طال الزمن إلى أن كل فرصة عمل في الاقتصاد تعني سحب بندقية من يد، وسحب مخدرات من يد، وسحب مهربات من يد.